العمرة عن الميت من الأعمال الصالحة التي أباحها الإسلام، وشرعها كوسيلة لتقديم الخير لمن انتقلوا إلى رحمة الله، كما أنها تعبير عن الوفاء والبر بالميت، وإهداء الثواب له بعد وفاته.
سنفصل في هذا المقال أحكام العمرة عن الميت، وشروطها، وفضلها، وكيفية أدائها، مع ذكر الأدلة الشرعية، لتكون مرجعًا شاملًا لمن يرغب في تأديتها.
مفهوم العمرة عن الميت
العمرة عن الميت عبادة يؤديها المسلم نيابةً عن شخص توفي ولم يتمكن من أداء العمرة في حياته، أو أداها ولكنه يرغب في إهداء ثوابها إليه، ويُعتبر هذا الفعل من صور البر والإحسان للأموات، ووسيلة لإيصال الخير إليهم، حيث إن الشريعة الإسلامية تتيح للإنسان الاستمرار في جني الحسنات حتى بعد وفاته من خلال أعمال صالحة تُهدى له، مثل الصدقة الجارية، والدعاء، وأداء العبادات عنه.
حكم العمرة عن الميت
العمرة عن الميت جائزة شرعًا باتفاق جمهور العلماء، وقد دلت على مشروعيتها نصوص من السنة النبوية وأقوال العلماء، فهي تُعد من الأعمال التي يُشرع للمسلم القيام بها برًّا بوالديه أو أقاربه أو أصدقائه الذين توفاهم الله سواء كانوا قد أدوا العمرة في حياتهم أم لم يؤدوها.
الأدلة من الأحاديث النبوية على جواز أداء العمرة عن الميت
- حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي ﷺ فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء” (رواه البخاري ومسلم)، وهذا الحديث دليل واضح على جواز أداء الحج أو العمرة عن الميت، حيث شبّه النبي ﷺ ذلك بقضاء الدين، مما يدل على وجوب الوفاء بحقوق الله إذا تعذر أداؤها من الميت.
- حديث أبي رزين العقيلي: “يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن. قال: حج عن أبيك واعتمر” (رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني).
وكما أن الصدقة والدعاء يصلان إلى الميت وينتفع بهما، فإن الحج والعمرة من باب أولى يصل أجرهما، حيث أنهما من القُربات العظيمة.
شروط أداء العمرة عن الميت
الإسلام
أن يكون النائب (الذي يؤدي العمرة) والميت كلاهما مسلمين، والدليل قول الله تعالى:
{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} (سورة التوبة، الآية 54)، ويُشير هذا إلى أن القربات لا تُقبل إلا من المسلم.
النية والإخلاص
يجب أن ينوي النائب أداء العمرة عن الميت صراحةً، مع الإخلاص في العمل وابتغاء وجه الله، والدليل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى” (رواه البخاري ومسلم).
أداء العمرة عن النفس أولًا
لا يجوز أداء العمرة عن الميت قبل أن يؤدي النائب العمرة عن نفسه، والدليل حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “أن النبي ﷺ سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة. قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي. قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة” (رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني).
الإحرام باسم الميت
أن يُحرم النائب عن الميت ويذكر اسمه أثناء النية بقوله: “لبيك عمرة عن فلان”، والدليل أن النية شرط أساسي لصحة جميع العبادات، كما جاء في حديث النبي ﷺ: “إنما الأعمال بالنيات”(رواه البخاري).
الاستطاعة البدنية والمالية للنائب
أن يكون النائب قادرًا بدنيًا وماليًا على أداء العمرة. فإذا كان غير مستطيع، فلا يجوز له النيابة عن غيره، والدليل قول الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (سورة الحج، الآية 27)، وقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (سورة آل عمران، الآية 97).
أن تكون العمرة عن ميت مسلم
لا يجوز أداء العمرة عن كافر، حيث إن الأعمال الصالحة لا تنفع غير المسلم، والدليل قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (سورة النساء، الآية 48)، وكذلك حديث النبي ﷺ: “ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم” (رواه مسلم).
فضل أداء العمرة عن الميت
أداء العمرة عن الميت هو من الأعمال الصالحة التي أجمعت الأمة على جوازها، وأثبتت النصوص الشرعية فضلها الكبير في إيصال الأجر والثواب إلى الميت، فالعمرة تُعد قربة عظيمة تُقرِّب المسلم من الله سبحانه وتعالى، وعندما تؤدى عن ميت، فهي هدية نافعة تصل إليه وتخفف عنه في قبره، وفيما يلي فضل أداء العمرة عن الميت:
إيصال الثواب للميت
عندما يؤدي المسلم العمرة عن الميت، فإن ثواب هذا العمل الصالح يصل إلى الميت، وهو من الأعمال التي أجمع العلماء على جوازها، وأداءها يُعظم الأجر ويُبرئ ذمة الميت.
تخفيف العذاب وزيادة الحسنات للميت
أداء العمرة عن الميت يُعد من الأعمال التي تخفف عنه عذاب القبر وتزيد في حسناته، حيث تصل ثواب الأعمال الصالحة للميت وتُكتب له في ميزانه، والدليل على ذلك قول النبي ﷺ: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” (رواه مسلم)، وهنا تم القياس على الدعاء والصدقة إهداء ثواب الأعمال الصالحة، ومنها أداء العمرة عن الميت.
تحقيق البر بالوالدين والأقارب
العمرة عن الميت من صور البر التي أوصى بها الإسلام، خاصة إذا كان الميت والدًا أو قريبًا، والدليل قول النبي ﷺ: “إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يُوَلِّي” (رواه مسلم)، فأداء العمرة عن أحد الوالدين هو من أعظم الأعمال الصالحة التي تُعد برًا بهم بعد وفاتهم.
مضاعفة الأجر للنائب والميت معًا
الثواب في العمرة ليس مقصورًا على الميت فقط، بل ينال النائب أجر العمل أيضًا، حيث إن الله يُضاعف الحسنات لمن يقوم بالأعمال الصالحة عن الآخرين، والدليل قول النبي ﷺ: “من دل على خير فله مثل أجر فاعله” (رواه مسلم)، فالنائب الذي يؤدي العمرة عن الميت له أجر العمل كاملًا، ويصل أجرها كذلك إلى الميت.
شمولها للرحمة والمغفرة
العمرة تُعد من أعظم العبادات التي تُكفّر الذنوب وترفع الدرجات، وعندما تُؤدى عن الميت، فإنها تحمل نفس الفضل، والدليل عن ذلك قول النبي ﷺ: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” (رواه البخاري ومسلم)، فإذا كانت العمرة كفارة للذنوب للأحياء، فإن إهداءها للميت يُعد وسيلة عظيمة للحصول على الرحمة والمغفرة له.
اتباع هدي النبي ﷺ والصحابة
العمرة عن الميت من السنن التي وردت عن النبي ﷺ وأقرها، كما فعل الصحابة رضوان الله عليهم، مما يدل على فضلها ومشروعيتها، والدليل ما ثبت في الحديث أن امرأة سألت النبي ﷺ عن العمرة عن أمها، فأجاز لها ذلك، كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور سابقًا.
كيف تكون العمرة عن الميت؟
أداء العمرة عن الميت هو عمل مشروع بإجماع العلماء، ويتطلب اتباع خطوات محددة لضمان صحتها وقبولها عند الله سبحانه وتعالى، ويُشترط أن يُنوي المسلم إهداء ثواب العمرة للميت مع الالتزام بالأحكام الشرعية المتعلقة بالعمرة.
خطوات أداء العمرة عن الميت
أولًا: الإحرام
يُحرم النائب من الميقات المحدد له وفقًا لمكان إقامته، ويلبس ملابس الإحرام (للرجال: إزار ورداء؛ وللنساء: ملابسها الشرعية دون تبرج)، ثم يُصلي ركعتي الإحرام، ثم يُلبي قائلاً: “لبيك اللهم عمرة عن فلان (ويُذكر اسم الميت)”.
ثانيًا: الطواف
يدخل النائب المسجد الحرام متوضئًا ويبدأ بالطواف حول الكعبة سبعة أشواط، ويُستحب أن يُكثر من الدعاء والاستغفار أثناء الطواف، وعند رؤية الحجر الأسود يُسن أن يُشير إليه أو يقبله إن أمكن، قائلاً: “بسم الله والله أكبر”، ثم يدعو للميت أثناء الطواف، طالبًا له الرحمة والمغفرة.
ثالثًا: السعي بين الصفا والمروة
بعد الطواف وصلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم يتوجه النائب إلى المسعى، ويبدأ السعي من الصفا وينتهي بالمروة سبعة أشواط يذكر فيها الله ويدعو للميت، والدعاء المأثور عند الصفا والمروة حيث قال الله تعالى “إن الصفا والمروة من شعائر الله…” (سورة البقرة، الآية 158).
رابعًا: الحلق أو التقصير
بعد الانتهاء من السعي يُسن للرجل أن يحلق رأسه كاملاً أو يُقصره، أما المرأة فتقص جزءًا صغيرًا من شعرها، وبذلك يُحلل النائب من الإحرام، وتكون العمرة قد أُديت عن الميت.
واعلم أن ثواب العمرة يصل إلى الميت كاملاً إذا أُديت بالشروط الصحيحة بإذن الله تعالى.
هل يجوز تكرار العمرة عن الميت؟
تكرار العمرة عن الميت جائز عند جمهور العلماء، وهو من الأعمال الصالحة التي يمكن أن ينال الميت ثوابها خاصة إذا نوى النائب (الشخص الذي يؤدي العمرة) ذلك بإخلاص، وقد استدل العلماء على جواز التكرار بما جاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ حيث قال: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” (رواه مسلم)، وهذا يشمل الأعمال الصالحة التي تُهدى للميت مثل العمرة.
هل يجوز العمرة عن الميت غير القريب؟
العمرة عن الميت هي من الأعمال التي يمكن أن ينتفع بها الميت بإذن الله تعالى، ولا يقتصر الأمر على الأقارب فقط، بل يجوز أداء العمرة عن الميت سواء كان قريبًا أو بعيدًا، وذلك بشرط أن تكون النية خالصة لله تعالى. وعليه، فإن العمرة عن الميت غير القريب تجوز وفقًا لأراء معظم العلماء سواء كان الميت من الأهل أو من غيرهم.
هل تجوز العمرة عن شخصين في نفس الوقت؟
لا يجوز أداء العمرة عن شخصين في نفس الوقت، فلابد أن يكون لكل واحد منهما عمرة خاصة به، وإحرام خاص به.
أيهما أفضل الصدقة أم العمرة عن الميت؟
العمرة تُعتبر من أفضل الأعمال الصالحة التي يمكن أن تُهدى للميت، وقد وردت نصوص شرعية تدل على ذلك، فقد سُئل النبي ﷺ عن أداء العمرة والحج عن الأموات، وأجاب بإيجابية، وذلك يدل على أن العمرة تُعد نافلة عظيمة للميت، وإذا كان الميت لم يؤدِ العمرة في حياته، فإن العمرة عنه تُعتبر قضاءً لفريضة، وذلك يجعلها ذات قيمة خاصة.
والصدقة تُعتبر من الأعمال التي تصل إلى الميت وتعود عليه بالنفع، حيث أن الصدقات الجارية مثل بناء المساجد أو حفر الآبار تُعد من الأعمال التي يستمر أجرها حتى بعد وفاة الشخص، والعديد من الفقهاء يرون أن صدقة الفريضة (مثل الزكاة) تُعتبر أفضل من العمرة، بينما تُفضل العمرة على صدقة التطوع، وبعض العلماء يفضلون الصدقة في حالات الحاجة الماسة، حيث تكون أكثر نفعًا للميت.
وفي المجمل يُمكن القول إن كلا العملين لهما مكانة عظيمة في الإسلام، والأفضلية قد تعتمد على الظروف والنية.