حكم المايكروبليدنج، الزينة جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان حيث يسعى الكثيرون لتحسين مظهرهم وجعلهم أكثر جاذبية وخاصة النساء، ومع تزايد التقنيات الحديثة أصبح المايكروبليدنج أحد الخيارات الشائعة في عالم التجميل.
لكن كيف يتوافق هذا الإجراء مع مبادئ الشريعة الإسلامية، سنستكشف في هذا المقال مختلف جوانب المايكروبليدنج مستندين إلى القرآن والسنة وآراء الفقهاء.
يُقر الإسلام الزينة باعتبارها جزءًا من الفطرة البشرية، ويُشدد على أهمية الاعتدال، ويقول الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [سورة الأعراف، الآية 31]، ووفقًا لهذه الآية نجد أن الزينة مشروعة، ولكن يجب أن تكون في إطار مُعتدل.
كما يُحذر الإسلام من تغيير الخلقة حيث جاء في الحديث الشريف عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “لعن الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله” [صحيح البخاري]، ولذلك يجب التمييز بين الزينة المباحة وتغيير الخلقة.
ويجب أن تكون النية وراء الزينة شرعية مثل تعزيز الثقة بالنفس، وليس استدراج الآخرين أو استخدام التجميل لغايات غير مناسبة، كما ينبغي أن يكون أي إجراء تجميلي آمنًا صحيًا ولا يتسبب في أذى حيث قال النبي ﷺ: “لا ضرر ولا ضرار” [حديث حسن رواه ابن ماجه].
ما هو المايكروبليدنج؟
المايكروبليدنج هو إجراء تجميلي يُستخدم لتحسين مظهر الحواجب عن طريق إضافة صبغة في الطبقة العليا من الجلد برسم خطوط دقيقة تشبه الشعيرات الطبيعية للحاجب.
ويختلف المايكروبليدنج عن الوشم التقليدي من حيث عُمق الصبغة، فهي ليست دائمة وتبدأ بالتلاشي تدريجيًا خلال 12 إلى 18 شهرًا.
كما تُستخدم في هذه التقنية أدوات دقيقة بشفرات صغيرة لإختراق سطح الجلد، وتُعتبر هذه الصبغة شبه دائمة، وينظر إليها البعض على أنها زينة مؤقتة وليست تغييرًا دائمًا.
اختلف العلماء بخصوص حكم المايكروبليدنج، وذلك لأن البعض يراه تغييرًا للخِلقة، بينما يراه البعض الآخر زينة مؤقتة تشبه الحناء، وفيما يلي آراء العلماء:
الرأي الأول (تحريم مطلق):
يرى بعض العلماء أن المايكروبليدنج يدخل ضمن التغيير المرفوض في الشريعة، لإعتماده على إدخال صبغة تحت الجلد، ويُعد هذا تغييرًا دائمًا بشكل من الأشكال، ويضعه البعض ضمن حكم الوشم المحرم حتى لو لم يتم خروج دم أثناء استخدام تلك التقنية، ومن ضمن الهيئات التي حرمت استخدام المايكروبليدنج دار الإفتاء السعودية، وهناك أيضًا الكثير من العلماء ومنهم الدكتور عمر عبد الكافي، والذي اعتبره مثله مثل الوشم ونفس حكمه.
ومن بين الفقهاء الذين تناولوا هذه المسألة نجد الشيخ محمد بن صالح العثيمين الذي يرى أن أي تعديل يتسبب في تغيير دائم للحاجب أو الجسد عمومًا يدخل في نطاق النهي الشرعي.
الرأي الثاني (إباحة بشرط):
يرى فريق آخر أن الحكم يتوقف على نية الشخص ومدى دوام هذا التجميل، وإذا كان مؤقتًا ولا يُسبب أذى، وهل يخرج معه دم أم لا؟، ومن اعتمد على اباحته بشرط وجعله جائزًا ضمن زينة النساء المباحة شريطة ألا يكون فيه خروخ للدم أو فيه تغيير لشكل المرأة، فاذا توافر هذين الشرطين فهو مباح شرعًا، وفي حالة عدم توافرهما فهو محرم، ومن الهيئات الإسلامية التي اعتمدت هذا الرأي دار الإفتاء المصرية.
الرأي الثالث (الجواز للضرورة):
يجوز استخدام المايكروبليدنج لتحسين المظهر عند الحاجة الطبية مثل فقدان الشعر بسبب المرض.
شروط جواز المايكروبليدنج وفقًا لدار الإفتاء وفريق من العلماء
وضعت دار الإفتاء وفريق من العلماء الذين أجازوا المايكروبليدنج في حالات معينة عدة شروط شرعية لضمان موافقته لضوابط الشريعة:
يجب أن يكون إجراء مؤقت بمعنى أن الصبغة المستخدمة لا تدوم لفترات طويلة، وأن يتم إزالتها أو أنها تزول مع مرور الوقت، كما يجب أن طاهرة ونقية.
ألا يُسبب أذى صحي بحيث تكون عملية استخدامه آمنة من الناحية الصحية، ولا تُسبب أضرارًا للبشرة مع اتباع قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”.
يجب أن يكون الهدف منه تحسينًا طبيعيًا غير مبالغ فيه، وليس تغييرًا جذريًا يُستخدم للتفاخر أو جذب الانتباه.
ألا يسبب خروج للدم، أو حبسه.
المايكروبليدنج والحالات الطبية الخاصة
توجد حالات طبية قد تتطلب استخدام المايكروبليدنج كحل تجميلي، ومنها:
حالات الثعلبة التي تؤدي إلى فقدان شعر الحواجب بالكامل.
حالات العلاج الكيميائي الذي يتسبب في تساقط الشعر.
الحروق والجروح التي تُشوه الحاجب بشكل قد يؤثر على مظهر الشخص.
يُسمح في هذه الحالات باستخدام المايكروبليدنج كإجراء علاجي تجميلي، وذلك استنادًا إلى القاعدة الفقهية: “الضرورات تبيح المحظورات” بشرط ألا يُستخدم لأغراض أخرى غير ضرورية.
الأدلة الشرعية على تحريم المايكروبليدنج
تحريم المايكروبليدنج في الإسلام يرتكز على عدد من الأدلة الشرعية التي تتعلق بتغيير خلق الله وأحكام الوشم، وإليك بعض هذه الأدلة:
1- النهي عن تغيير خلق الله جاء في القرآن الكريم أن الشيطان وعد بأن يضل الناس ليغيروا خلق الله في قوله تعالى:
وتُشير هذه الآية إلى تحريم أي تغيير دائم للجسم يغير خلق الله بغير ضرورة شرعية، ويستدل بعض العلماء بهذا الحكم على مثل هذه العمليات التي قد تُعتبر تغييرًا غير ضروري لخلق الله.
2- اللعن الوارد في الأحاديث للمتنمصات والواشمات ثبت عن النبي ﷺ أنه قال:
“لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ” (رواه البخاري ومسلم) وفي هذا الحديث يُلعن من يقوم بعمليات تغيير في الجسم من أجل الجمال، ويشمل ذلك الوشم، ويُعتبر المايكروبليدنج نوعًا من الوشم المؤقت أو الشبه دائم، ولذلك قد يدخل في الحكم.
3- تشبيه المايكروبليدنج بالوشم يرى بعض الفقهاء أن المايكروبليدنج هو نوع من أنواع الوشم الخفيف حيث يتم غرز إبر في الجلد وإدخال صبغة دائمة أو شبه دائمة، وبذلك يُشبه الوشم التقليدي من حيث الغرض والأسلوب، فيدخله بذلك التحريم.
4- التشبه بالكافرات أحد مبادئ الإسلام هو عدم التشبه بأهل الكفر فيما هو خاص بهم، والمايكروبليدنج يُعد من تقنيات التجميل الحديثة التي انتشرت في الغرب، وقد يكون دافع البعض إليه تقليدًا لعادات الجمال الغربية، ولذلك يدخل ضمن مفهوم التشبه بغير المسلمين الذي نهى عنه النبي ﷺ في قوله:
“من تشبه بقوم فهو منهم” (رواه أبو داود).
5- الضرر المحتمل ودرء المفاسد قد يتسبب المايكروبليدنج في آثار جانبية مثل الالتهابات، أو التحسس، أو حبس الدم، أو حقن بمواد غير نقية وغير طاهرة، وبذلك يدخل في القاعدة الفقهية “لا ضرر ولا ضرار.” يقول الرسول ﷺ:
“لا ضَرَرَ وَلا ضِرارَ” (رواه ابن ماجه). ولأن الإسلام يحث على تجنب كل ما يسبب ضررًا للنفس، قد يُحرم المايكروبليدنج إذا ثبت ضرره على صحة الفرد.
6- نصوص تحث على الرضا بالمظهر الطبيعي يحث الإسلام على القبول بالمظهر الذي خلقه الله، ويعتبر تغيير المظهر الجسدي لغير حاجة شرعية من قبيل عدم الرضا بقضاء الله، ومن الأدعية النبوية التي ترسخ هذا المفهوم:
“اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي” (رواه أحمد). فالحث على الرضا بالمظهر الطبيعي وتجنب تغييره إلا لحاجة ضرورية قد يُفهم منه الكراهية أو التحريم لتعديلات مثل المايكروبليدنج.
7- قاعدة سد الذرائع إذا كان هناك شك في الحكم الشرعي للمايكروبليدنج، فإن قاعدة سد الذرائع التي تُستَخدم لمنع الأعمال التي قد تفضي إلى المحرمات تفرض الحيطة والحذر في مثل هذه الحالات.
8- استفتاء القلب على الرغم من اختلاف الآراء حول المايكروبليدنج يُستحسن العودة إلى استفتاء القلب عند الشك، وقد قال النبي ﷺ:
“الإثم ما حاكَ في نفسك وكرهتَ أن يطَّلعَ عليه الناسُ” (رواه مسلم).
هل المايكروبليدنج يمنع الوضوء؟
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن المايكروبليدنج لا يُعتبر حاجزًا يمنع وصول الماء إلى البشرة حيث لا يشكل طبقة سميكة تمنع الماء كما هو الحال في الطلاء أو الصبغة التي تغطي سطح الجلد، ويُجرى المايكروبليدنج عن طريق رسم خطوط دقيقة تشبه الشعيرات أسفل الجلد دون تكوين حاجز، وجاء ذلك بعد أن أجازت استخدام تقنية المايكروبليدنج.
هناك قاعدة شرعية تنص على “الأصل في الأشياء الطهارة”، فإذا لم يتأكد أن المايكروبليدنج يشكل حاجزًا يمنع الماء، فإن الوضوء يبقى صحيحًا، ويشدد بعض الفقهاء على ضرورة التأكد من طبيعة المواد المستخدمة في المايكروبليدنج، فإذا كانت تغطي البشرة بشكل كامل أو تترك طبقة عازلة، قد تتغير الأحكام.
واتفق العلماء في المذاهب الأربعة على أن ما يمنع وصول الماء إلى البشرة يجب إزالته لضمان صحة الوضوء، ولذلك إذا كان المايكروبليدنج لا يترك أثراً يمنع الماء فلا يؤثر على صحة الوضوء.
أقر العلماء بتحريم أستخدام المايكروبليدنج للشفايف، والذي من خلاله يتم حقن الشفايف بمادة تجعل لونها وردي، وهذا هو سبب التحريم حيث يكون بهذه الطريقة مثله مثل الوشم ويأخذ حكمه، أما إذا تم توريد الشفايف بصبغة نقية طاهرة تكون على الطبقة الخارجية للشفاه دون اللجوء للحقن، فهو جائز شرعًا.
بدائل مباحة للمايكروبليدنج
الزينة المباحة تشمل الخيارات التالية التي يمكن استخدامها كبدائل للمايكروبليدنج:
تُعد الحناء وسيلة تجميلية مُعتمدة منذ عهد النبي ﷺ، وتُستخدم في تجميل الحواجب بدون اختراق الجلد أو إحداث أي تغيير دائم.
صبغات الحواجب المؤقتة، والتي تتوافر منها أنواع مؤقتة تزول مع مرور الوقت، وتعد خيارًا آمنًا ومباحًا.
أدوات التجميل العادية، كأقلام الحواجب أو جِل التجميل، والتي يمكن إزالتها بسهولة ولا تُحدث تغييرات دائمة.
تُظهر الدراسات أن النساء يلجأن إلى التجميل لتحسين المظهر، وللتعبير عن الثقة بالنفس والرضا الشخصي، وقد أشارت بعض الأبحاث النفسية إلى أن الاعتماد الزائد على التجميل قد يؤدي إلى مشاكل نفسية مثل نقص الثقة بالنفس أو الشعور بعدم الرضا، ويدعو الإسلام إلى القبول الذاتي والرضا بما قسمه الله من شكل ومظهر، كما يدعو المسلم للتركيز على جوانب أخرى غير الجمال الظاهري كالتقوى والعمل الصالح.
قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [سورة الحجرات، الآية 13]، ويدل ذلك على أن الأفضل عند الله هو صاحب التقوى، وليس الجمال الخارجي.
في الختام، وبعد أن قدمنا حكم المايكروبليدنج سواء بالتحريم أو جواز استخدامه نجد أن المايكروبليدنج قد يكون خيارًا تجميليًا مناسبًا لبعض النساء، لكنه يتطلب مراعاة الحدود الشرعية والحفاظ على الاعتدال، وينصح الإسلام بالتركيز على الجمال الداخلي الذي يظهر في الأخلاق الحميدة والتقوى، وهو الجمال الذي يدوم ويُعزز من قيمة الإنسان.