شرح حديث بني الإسلام على خمس…الأربعين النووية 3
شرح حديث بني الإسلام على خمس...أركان الإسلام
حديث بني الإسلام على خمس هو الحديث الثالث من الأربعين النووية، ويعد قاعدة أساسية لفهم الدين الإسلامي، فهو جوهر الإسلام، وقد بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم أركان الإسلام التي تمثل الأساس الذي يقوم عليه الدين، وهو بمثابة البناء المتين الذي ينهض به الإسلام، ويوضح الحديث أهمية كل ركن من هذه الأركان ودورها في حياة المسلم.
سنتناول في هذا المقال شرحًا مبسطًا للحديث، وتوضيح معاني الأركان الخمسة وأهميتها في حياة المسلم، فاكتشف كيف تنسجم هذه الأركان لتبني حياة متوازنة تقود إلى السعادة في الدنيا والآخرة.
الحديث الثالث من الأربعين النووية بالتشكيل (حديث بني الإسلام على خمس)
عَنْ أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانِ وَحَجِّ الْبَيْتِ لِمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا”. (رواه البخاري ومسلم).
أهمية حديث بني الإسلام على خمس
الحديث الثالث من الأربعين النووية يحمل معاني عظيمة ويمثل حجر الزاوية لفهم أركان الإسلام حيث شبه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام بالبناء القائم على خمس قواعد أساسية، وهي الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وهذه الأركان تتعدى كونها عبادات يقوم بها المسلم، فهي نظام متكامل يعكس علاقة المسلم بربه، ومجتمعه، ونفسه.
الحديث يوجه المسلمين إلى الالتزام بالأساسيات التي بدونها لا يمكن للدين أن يقوم، فمن خلال فهم هذه الأركان والعمل بها يصبح المسلم قادرًا على تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى بصورة صحيحة.
شرح الحديث الثالث من الأربعين النووية(حديث بني الإسلام على خمس)
“بني الإسلام على خمس”
شبه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام ببناء يرتكز على خمسة أركان أساسية، وكل ركن منها يمثل جزءًا لا يتجزأ من هذا البناء، فإذا انهدم أحد هذه الأركان يصبح البناء مهددًا بالسقوط.
1- الشهادتان: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله
الشهادتان هما أول وأهم ركن من أركان الإسلام، وبدون الإيمان بهما لا يمكن للإنسان أن يدخل الإسلام.
شهادة أن لا إله إلا الله:
تعني الإيمان بأن الله وحده هو المستحق للعبادة، وأنه لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: “فاعلم أنه لا إله إلا الله” (سورة محمد، الآية 19)، فإنها إعلان العبودية لله وتحرير الإنسان من كل ما سواه.
شهادة أن محمدًا رسول الله:
الإقرار بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، والعمل بما جاء به من تعاليم وأحكام، فالله تعالى يقول في كتايه الكريم:”وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” (سورة الحشر، الآية 7)، فالشهادتان تجمعان بين الإيمان القلبي والنطق اللساني، وهما الأساس الذي تُبنى عليه جميع الأعمال.
2- إقامة الصلاة
الصلاة هي أعظم العبادات البدنية التي فرضت على المسلمين، وهي الصلة المباشرة بين العبد وربه، والله تعالى يقول: “وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين” (سورة البقرة، الآية 43).
الصلاة تربي المسلم على الانضباط، وتذكره بخالقه خمس مرات يوميًا، وترك الصلاة يعد تفريطًا عظيمًا في حق الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر” (رواه الترمذي).
وتظهر أهمية الصلاة تطهر الصلاة النفس، وتمنع من الفحشاء والمنكر، كما قال تعالى: “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” (سورة العنكبوت، الآية 45).
3- إيتاء الزكاة
الزكاة عبادة مالية تُظهر البعد الاجتماعي للإسلام، وهي حق معلوم للفقراء في أموال الأغنياء حيث قال الله تعالى: “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها” (سورة التوبة، الآية 103).
الحكمة من فرض الزكاة تحقيق التكافل الاجتماعي، فالزكاة تقضي على الفقر وتساعد المحتاجين، كما تطهر النفس والمال، فهي تطهر القلوب من البخل، وتبارك المال.
حدد الله في كتابه الأصناف الثمانية المستحقة للزكاة، ومنها الفقراء والمساكين والعاملين عليها. قال تعالى: “إنما الصدقات للفقراء والمساكين…” (سورة التوبة، الآية 60).
4- صوم رمضان
الصيام عبادة تشمل الجسد والروح، وهو تدريب على الصبر وضبط النفس، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” (سورة البقرة، الآية 183).
وورد في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به” (رواه البخاري)، وهذا يدل على مكانة الصيام عند الله.
الصيام فريضة على كل مسلم بالغ عاقل قادر، وله أحكامه وشروطه التي يجب الالتزام بها، كالإمساك عن المفطرات والنية.
5- حج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا
الحج هو القصد إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك معينة في وقت محدد، فالله تعالى يقول في كتابه: “ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا” (سورة آل عمران، الآية 97).
في الحج تظهر وحدة المسلمين حيث يجتمع المسلمون من كل أنحاء العالم متساوين في اللباس والغاية، الحج يعمل على تطهير العبد من الذنوب حيث يُعيد الحج الإنسان نقيًا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه” (رواه البخاري)، والحج واجب على المستطيع ماديًا وبدنيًا، ومن لم تتوفر له الاستطاعة لا يُؤاخذ.
العلاقة بين أركان الإسلام الخمسة
أركان الإسلام الخمسة مترابطة بشكل يعكس شمولية الإسلام حيث تبدأ بالشهادتين كمدخل للإيمان، ثم تأتي الصلاة كتعبير يومي عن العبودية، والزكاة كمسؤولية اجتماعية، والصوم كتهذيب للنفس، والحج كتجسيد لوحدة الأمة، فهذه الأركان تشكل نظامًا متكاملًا يغطي الجوانب الروحية، والاجتماعية، والاقتصادية.
فوائد حديث بني الإسلام على خمس
حديث بني الإسلام على خمس يعد من الأحاديث النبوية الجامعة التي تحمل في طياتها مقاصد عظيمة وفوائد جليلة تعين المسلم على فهم جوهر الدين الإسلامي، ومن أبرز فوائده:
بيان شمولية الإسلام وأساسياته
الحديث يبرز الأركان الخمسة كهيكل متكامل يمثل الإسلام بجميع جوانبه العقيدة متمثلة في الشهادتين، والعبادة في الصلاة والصيام، والمعاملات الاجتماعية والمالية من خلال الزكاة، والروح الجماعية التي تتجلى في الحج، وهذا الشمول يجعل الإسلام دينًا جامعًا ينظم علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، وبمجتمعه.
توضيح جوهر الإسلام وبساطته
الإسلام دين يسر، والحديث يختصر أصول الدين في خمسة أركان، وذلك يسهل على المسلم الجديد أو الباحث عن الحقيقة إدراك الأساسيات التي يقوم عليها هذا الدين، وورد عن الإمام النووي رحمه الله أنه قال: “هذا الحديث يبين أن الأركان الخمسة هي الأسس التي لا يقوم الدين إلا بها، وأي نقص فيها يعني اختلال الإيمان والعمل.”
ترسيخ أهمية العقيدة الإسلامية
ابتداء الحديث بالشهادتين يؤكد على أن التوحيد هو أساس كل العبادات، فبدون الشهادتين لا تُقبل الأعمال مهما بلغت حيث أن الشهادتان التزام قلبي وعقلي وسلوكي بمعنى التوحيد والإيمان برسالة النبي ﷺ.
التأكيد على قيمة الصلاة كصلة بين العبد وربه
ذكر الصلاة كركن أساسي يوضح مكانتها في الإسلام، فهي عمود الدين، كما ورد في الحديث: “الصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين” (رواه الطبراني) فالصلاة تُذكر المسلم بخالقه خمس مرات يوميًا، وذلك يعزز التقوى والخشوع لدى العبد.
تعزيز مفهوم التكافل الاجتماعي من خلال الزكاة
الزكاة تعلم المسلم أن ماله ليس ملكًا خالصًا له، بل للفقراء حق فيه، كما أن الزكاة تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفجوة بين الطبقات، وتُطهر النفس من البخل، وتُبارك المال كما قال تعالى: “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها” (سورة التوبة، الآية 103).
الصيام تدريب على التقوى والصبر
الصوم ليس امتناع عن الطعام والشراب فقط، بل هو مدرسة تربي النفس على الصبر وضبط الشهوات، والله تعالى يقول : “كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” (سورة البقرة، الآية 183)، فالصيام يرسخ الشعور بالمساواة مع الفقراء والمحتاجين، وذلك يدعم قيم التراحم والتعاطف.
الحج فيه وحدة المسلمين وتجديد الإيمان
الحج يُظهر الصورة الحقيقية للإسلام كدين عالمي حيث يجتمع المسلمون من شتى بقاع الأرض متساوين في اللباس والمقصد، ويُذكر الحج المسلم بضرورة الإخلاص والتوبة، فهو يعود من الحج كما قال النبي ﷺ: “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه” (رواه البخاري ومسلم).
التوازن بين العبادة الفردية والجماعية
الأركان الخمسة تجمع بين العبادات التي تخص الفرد كالصلاة والصيام، وتلك التي تخص المجتمع كالزكاة والحج، وهذا التوازن يعزز الارتباط بين المسلم ومجتمعه، ويؤدي إلى بناء أمة متماسكة.
توجيه المسلم نحو العمل المتكامل
الحديث يرسخ مفهوم أن الإسلام نظام حياة متكامل يوازن بين الإيمان والعمل، ويُعلم المسلم أن كل ركن من الأركان مرتبط بسلوكه اليومي وأخلاقه.
دلالة الحديث على مرونة الإسلام
اختُتم الحديث بركن الحج مقرونًا بشرط الاستطاعة، وذلك يبرز مرونة الإسلام في مراعاة ظروف المكلفين حيث قال الله تعالى: “ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا” (سورة آل عمران، الآية 97)، وهذا يثبت أن الإسلام دين يوازن بين الواجبات والقدرة، فلا يكلف الإنسان ما لا يطيق.
دروس في الأولويات والترتيب
ترتيب الأركان في الحديث يُعلم المسلم أن العقيدة تأتي أولًا، ثم العبادات التي تُظهر الالتزام العملي بالإيمان، ومن لم يؤمن بالشهادتين، فإن أعماله الأخرى باطلة، كما أن الصلاة والزكاة تأتي بعد ذلك لدعم العلاقة بالله والمجتمع.
تأكيد أهمية النية والإخلاص
الأركان الخمسة تُقبل بشرط الإخلاص لله، وكل ركن منها هو عبادة لا قيمة لها إن لم تُؤدَّ بنيَّة صادقة، كما قال النبي ﷺ: “إنما الأعمال بالنيات” (رواه البخاري ومسلم).
في الختام، وبعد عرض شرح حديث بني الإسلام على خمس الحديث الثالث من الأربعين النووية نجد أنه يقدم صورة شاملة للإسلام بأسلوب بسيط ومؤثر، كما أنه دعوة صريحة للالتزام بالأركان الخمسة التي تشكل أساس الدين، نسأل الله أن يرزقنا العمل بأركانه والثبات على دينه.
المصدر