الرقية الشرعية

ما الغاية من خلق الإنسان.. تعرف على الإجابة

الغاية من خلق الإنسان

ما الغاية من خلق الإنسان.. تعرف على الإجابة

الغاية من خلق الإنسان، خلق الله الإنسان وسائر المخلوقات بحكمة بالغة، ولم يكن وجودهم عبثًا أو بلا هدف، بل هناك غاية عظيمة رسمها الله بحكمته المطلقة، وقد بيَّن الله هذه الغاية في كتابه الكريم، وأوضحها نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، فجاءت النصوص الشرعية تدعو الإنسان إلى إدراك مهمته في هذه الحياة، والسعي لتحقيق الغاية التي خُلق من أجلها.

سنبحث في هذا المقال الحكمة من خلق الإنسان والكون، ونستعرض الغاية من وجودنا على الأرض، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات، مدعمين كل ذلك بالأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال السلف الصالح.

ما الغاية من خلق الإنسان.. تعرف على الإجابة
الغاية من خلق الإنسان

التصريح الإلهي بالغاية من خلق الإنسان في القرآن

أوضح الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم الغاية الكبرى من خلق الإنس والجن، فقال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (سورة الذاريات، الآية 56)، وهذا تصريح واضح بأن الغاية العظمى من خلق الإنسان هي عبادة الله تعالى، وليس لأجل المتعة أو اللهو أو الإقامة الدائمة في الدنيا.

وتأكيدًا على ذلك، يقول الله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ (سورة المؤمنون، الآية 115)، وهذه الآية ترد على من يظن أن الحياة مجرد صدفة أو بلا غاية، بل إنها دار اختبار، والآخرة هي دار الجزاء.

معنى العبادة في الإسلام

العبادة في الإسلام ليست محصورة في الشعائر التعبدية، بل تشمل كل ما يرضي الله -عز وجل- من الأقوال والأفعال والنيات.

1. العبادات القلبية

✔ الإخلاص لله في العمل.
✔ الخوف من الله والرجاء في رحمته.
✔ التوكل عليه في كل الأمور.

2. العبادات البدنية

✔ الصلاة، الصيام، الحج، الجهاد في سبيل الله.

3. العبادات المالية

✔ الزكاة، الصدقات، الإنفاق في أوجه الخير.

4. العبادات السلوكية

✔ بر الوالدين، الإحسان إلى الناس، تحري الصدق والأمانة.

يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ (سورة الأنعام، الآية 162)، ويشمل هذا جميع تفاصيل حياة الإنسان التي يجب أن تكون خالصة لله، ووفق شرعه.

الابتلاء والاختبار جزء من الحكمة الإلهية

خلق الله الإنسان في دار ابتلاء واختبار، ليُميز الصالح من الطالح، والمؤمن من الكافر، فالله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ (سورة الملك، الآية 2)، فالدنيا ليست دار راحة، بل هي ميدان امتحان، وعلى الإنسان أن يسعى للنجاح في هذا الامتحان بطاعة الله.

وقد أخبر النبي ﷺ أن أشد الناس ابتلاءً هم الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فقال:
«أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل» (رواه الترمذي).

إذن، لا ينبغي أن يندهش المؤمن من وقوع المصائب، فهي جزء من سنة الله في الخلق، والغاية منها تمحيص القلوب ورفع الدرجات.

عمارة الأرض وخلافتها جزء من الغاية من خلق الإنسان

لم يخلق الله الإنسان ليعتزل الحياة، بل كلفه بعمارة الأرض وفق منهجه، كما قال سبحانه: ﴿هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (سورة هود، الآية 61)، أي طلب منكم أن تعمروها بالصلاح، لا بالإفساد.

وبين الله أيضًا في كتابه العزيز أنه خلق الإنسان ليكون خليفة في الأرض، وكان هذا واضح في آدم عليه السلام، وما كان من تمني الملائكة لمنزلته، يقول الله تبارك وتعالى: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ” (سورة البقرة، الآية 30).

وأول شيء في هذه الخلافة أن يعرف الإنسان ربه حق معرفته، ويعبده حق عبادته، ويقول الله تعالى: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا” (سورة الطلاق، 12).

ويقول الله تعالى وتبارك أيضًا في كتابه العزيز: “﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (سورة الذاريات، الآية 56)، تحتوي الآية على حقيقة هائلة عن وجودنا، والهدف من خلقنا؛ لنعبد الله وحده، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي ﷺ فقال لي: “يا مُعاذُ، أتدري ما حَقُّ اللهِ على العِبادِ، وما حَقُّ العِبادِ على اللهِ؟”  قُلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: “حَقُّ اللهِ على العِبادِ أن يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شَيئًا، وحَقُّ العِبادِ على اللهِ ألَّا يُعَذِّبَ مَن لا يُشرِكُ به شيئًا” (متفق عليه).

فالغاية من وجود الإنسان والجن تتمثل في هذه الوظيفة؛ وهي العبادة، فمن قام بها وأداها، فقد حقق الغاية من وجوده، ومن قصر فيها فقد أبطل غاية وجوده، وأصبح بلا وظيفة، وباتت حياته فارغة من القصد، خاوية من معناها الأصيل الذي تستمد منه قيمتها الأولى والأساسية، وبهذه الوظيفة يُحقق الإنسان الغاية من خلق الله له، وهي عبادته سبحانه وتعالى، وبها يستحق أن يكون خليفة الله على هذه الأرض.

وفي الحديث القدسي يقول سبحانه عز وجل: “يا عبادي ما خلقتكم لأستأنس بكم من وحشة، ولا لأستكثر بكم من قلة، ولا لأستعين بكم في أمر عجزت عنه، ولا لجلب منفعة ولا لدفع مضرة، وإنما خلقتكم لـتعبدوني طويلاً، وتذكروني كثيراً وتسبحوني بكرةً وأصيلاً”.

الجميع مأمورون بالعبادة، والأديان كلها دعوة إلى عبادة الله وحده، والأنبياء كلهم أول العابدين لله، فقد أمر الله نبيه محمد ﷺ بقوله: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ (سورة الحجرات، الآية 99)، كما يحكي سبحانه على لسان سيدنا عيسى قوله -في أدب العبودية- ردًا على ما نسبوه إليه، وافتروه عليه: ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (سورة المائدة، الآية 117).

ودائما ما كان النداء الأول في كل رسالة: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ﴾ (سورة الأعراف، الآية 59)، وهذه العبادة لله وحده في العهد القديم الذي أخذه الله على بني الإنسان، وسجله بقلم القدرة في فطرتهم البشرية، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا۟ ٱلشَّيْطَـٰنَ ۖ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّۭ مُّبِينٌۭ (٦٠) وَأَنِ ٱعْبُدُونِى ۚ هَـٰذَا صِرَٰطٌۭ مُّسْتَقِيمٌۭ (٦١)﴾ (سورة يس، الآية 60- 61)، وكان هذا النداء الأول لكل رسول أُرسل إلى الناس يُذكرهم بهذا العهد القديم، وذلك مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ (سورة النحل، الآية 36)، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (سورة الأنبياء، الآية 25)، وقال تعالى بعد أن ذكر قصص طائفة كبيرة من الأنبياء: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (سورة الأنبياء، الآية 92).

ونجد مما سبق أن خلافة الأرض وعمارتها غرضها الأساسي هي عبادة الله الواحد الأحد، وأن عبادة الله سبحانه وتعالى هي الغاية من خلق الإنسان ولا غاية غيرها.

كيف تكون عمارة الأرض عبادة؟

✔️ بالعمل الحلال والإنتاج النافع.
✔️ بنشر العلم وتربية الأجيال.
✔️ بالعدل والإحسان، ومنع الفساد في الأرض.

وقد كان الصحابة والتابعون يعملون في التجارة والزراعة والصناعة، ولم يكن ذلك يمنعهم من العبادة، بل كانوا يرون أن كل عمل مشروع، إذا نُوي به وجه الله، فهو عبادة.

السعي إلى الآخرة وعدم الاغترار بالدنيا

الدنيا دار ممر، والآخرة دار مقر، فمن شُغل بالدنيا عن آخرته، فقد خسر الخسران المبين، ويقول الله تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ (سورة آل عمران، الآية 185]، لذلك كان النبي ﷺ يحذر من الانشغال بالدنيا على حساب الآخرة، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» (رواه البخاري)، فالمؤمن يحرص على الدنيا بقدر حاجته، لكنه يجعل همَّه الأكبر هو رضا الله والفوز بالجنة.

تحقيق العبودية الكاملة لله في كل مجالات الحياة

لا يكون الإنسان عبدًا لله حقًا حتى يجعل كل شؤون حياته وفق شرع الله، في عبادته، ومعاملاته، وأخلاقه، وسلوكه.

كيف يحقق المسلم العبودية الكاملة؟

✅ بجعل الصلاة والصيام والزكاة من أولوياته.
✅ بالتحاكم إلى شرع الله في كل شؤونه.
✅ بالصدق والأمانة وحسن الخلق.
✅ بدعوة الناس إلى الحق، كما قال النبي ﷺ: «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا، خير لك من حمر النعم» (متفق عليه).

في الختام، وبعد أن تعرفنا الغاية من خلق الإنسان نجد أن غاية الخلق واضحة وضوح الشمس، وهي عبادة الله، وعمارة الأرض، والخضوع لاختبار الحياة، والسعي إلى الآخرة، فمن حقق هذه الغايات، فقد فاز، ومن ضل عنها، فقد خسر خسرانًا مبينًا، فنسأل الله أن يوفقنا لتحقيق الغاية التي خُلقنا من أجلها، وأن يجعل حياتنا في طاعته، ومماتنا على الإيمان، وأن يرزقنا الفوز بجنته. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index