آثار الذنوب والمعاصي, للذنوب والمعاصي أثر عميق يتجاوز حدود الأفعال الظاهرة، ليصل إلى قلب الإنسان وروحه، فهي جروح خفية تترك بصماتها على النفس، وتعكر صفو الحياة، وتلقي بثقلها على راحة البال، فما بين الحرمان من التوفيق، وضيق الصدر، وفقدان البركة تصبح الذنوب حجاباً بين الإنسان وسعادته الحقيقية.
تناول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في مؤلفاته موضوع الذنوب والمعاصي وتأثيرها العميق على حياة الإنسان خاصة في كتابه الداء والدواء، وأوضح أن الذنوب أسباب لحرمان العبد من البركة وضيق الصدر وانطفاء نور القلب، ويقول رحمه الله: “الذنوب تُضعف القلب عن إرادته، فتميل به إلى المعاصي وتبعده عن الطاعات.”
لنتأمل معاً في هذا المقال كيف تؤثر هذه الآثار على حياتنا، وما السبيل للتخلص منها واستعادة صفاء القلب.
آثار الذنوب والمعاصي لابن القيم
يقول ابن القيم أن ضرر الذنوب في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، ويقول وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟
فما الذي أخرج أبوينا من الجنة، دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها ، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بُعدًا، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحًا، وبالجنة نارًا تلظى، وبالإيمان كفرًا، وحل عليه غضب الله فأهواه، ومقته أكبر المقت فأرداه، فصار قوادًا لكل فاسق ومجرم.
وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟ وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟
قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: “لما فتحت قبرص فرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره، بينماهي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ماترى”.
وفي مسند الإمام أحمد من حديث أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده. فقلت: يا رسول الله، أما فيهم يومئذ أناس صالحون؟ قال: بلى. قلت: فكيف يصنع بأولئك؟ يصيبهم ما أصاب الناس، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان”.
وفي سنن ابن ماجة من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: “كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: يا معشر المهاجرين خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين و الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم في المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم لم يمطروا ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، ومالم تعمل أئمتهم بما أنزل الله عز وجل في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم”.
من آثار الذنوب والمعاصي لابن القيم
للذنوب والمعاصي من الآثار القبيحة والمذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة مالا يعلمها إلا الله، ومنها:
حرمان العلم:
العلم نور يقذفه الله في قلب العبد، والمعصية تُطفئ هذا النور، في حين جلس الإمام الشافعي بين يدى مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تُطفئه بظلمة المعصية.
وقال الشافعي رحمة الله:
شكوت إلى وكيع سوء حظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال: اعلم بأن العلم فضل وفضل الله لا يؤتاه عاصي
حرمان الرزق:
إن العبد ليحرم من الرزق بالذنب الذي يُصيبه، وكما أن تقوى الله مجلبة للرزق، فترك التقوى مجلبة للفقر، فما استجلب رزق بمثل ترك المعاصي.
وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله:
لو اجتمعت للعبد كل ملذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة، وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة، فلو لم تترك الذنوب إلا حذرًا من وقوع تلك الوحشة، لكان العاقل حريًا بتركها.
وشكا رجل إلى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه، فقال:
إذا كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس
وليس على القلب أمر من وحشة الذنب على الذنب.
الوحشة تحصل بينه وبين الناس:
يجد العاصي وحشة بينه وبين الناس، لا سيما أهل الخير منهم، وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم ومن مجالستهم، وحرم بركة الانتفاع بهم، وقرب من حزب الشيطان، بقدر ما بعد من حزب الرحمن، وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم، فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه، وبينه وبين نفسه، فتراه مستوحشًا من نفسه.
وقال بعض السلف: إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
تعسير أمور العاصي عليه:
كلما توجه العاصي لقضاء أمر يجده مغلقًا أو يتعسر عليه، فمن تلقى الله جعل له من أمره يسرًا، ومن عطل التقوى جعل له من أمره عسرًا، وكيف للعبد أن يجد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه وطرقها معسرة عليه، وهو لا يعلم من أين أتى؟
ظلمة يجدها العاصي في قلبه:
يجد العاصي في قلبه ظلمة يحس بها كما يحس بظلمة الليل، فتصير ظلمة المعصية لقلبة كالظلمة الحسية لبصره، فالطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته، حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر، كأعمى خرج من ظلمة الليل يمشي لوحده، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سوادًا فيه يراه كل أحد.
قال عبد الله بن عباس: “إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق”.
توهن المعاصي القلب والبدن:
وهن المعاصي للقلب أمر ظاهر، ولا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية، أما وهنها للبدن ، فإن المؤمن قوته في قلبه، وكلما قوي قلبه قوي بدنه. وأما الفاجر فإنه (وإن كان قوي البدن) فهو أضعف شيء عند الحاجة، فتخونه قوته أحوج ما يكون إلى نفسه.
وتأمل قوة أبدان فارس والروم، كيف خانتهم، أحوج ما كانوا لديها، وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم؟
حرمان الطاعة:
أكبر عقوبة للذنب هي الصد عن طاعة تكون بديلة له، وتقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع على العاصي بالذنب طريق ثالثة، ثم رابعة، وهكذا، فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها، وذلك كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها.
هوان العاصي على ربه:
المعصية سبب لهوان العبد على ربه، وقال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم.
وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، كما قال الله تعالى: “وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَالَهُ مِن مُّكرِمٍ” (سورة الحج، الآية 18)، وإن عظمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفًا من شرهم، فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه.
المعصية تُورث الذل:
العز كل العز في طاعة الله، والمعصية تُورث الذل حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم: “مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلِّهِ العِزَّةَ جَمِيعًا” (سورة فاطر، الآية 10) أي فليطلب العبد العزة بطاعة الله، فإنه لا يجدها إلا في طاعة الله.
وكان من دعاء بعض السلف: اللهم أعزني بطاعتك، ولا تذلني بمعصيتك.
وقال الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين، إن ذل المعصية لا يُفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
المعاصي تُفسد العقل:
المعاصي تفسد عقل العبد، فإن للعقل نورًا، والمعصية تُطفئ نور العقل، وإذا انطفئ نوره ضعُف ونقُص.
وقال بعض السلف: ما عصى الله أحد حتى يغيث عقله، وهذا ظاهر، فإنه لو حضره عقله لحجزه عن المعصية وهو في قبضة الله تعالى، أو تحت قهره، وهو مطلع عليه، وفي داره وعلى بساطه وملائكته شهود عليه ناظرون إليه، وواعظ القرآن ينهاه، وواعظ الموت ينهاه، وواعظ النار ينهاه، والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا و الآخرة أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها، فهل يُقدم على الاستهانة بذلك كله، والاستخفاف به ذو عقل سليم؟
تابع آثار الذنوب والمعاصي لابن القيم
الذنوب تطبع على القلب:
إذا تكاثرت الذنوب طُبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف في قول الله تعالى: “كَلَّا بَل رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكسِبُونَ” (سورة المطففين، الآية 14) قالوا: هو الذنب بعد الذنب.
وقال الحسن البصري: هو الذنب بعد الذنب حتى يعمى القلب، وقال غيره: لما كثُرت ذنوبهم ومعاصيهم أحاطت قلوبهم، فالقلب يصدأ بالمعصية، فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير رانًا، ثم يغلب حتى يصير طبعًا وقفلًا وختمًا، فيصير القلب في غشاوة وغلاف، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انعكس فصار أعلاه أسفله، فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد.
بعض الذنوب تُدخل فاعلها تحت لعنة الله:
لعن الله في كتابه من أفسد في الأرض وقطع رحمه، وآذاه وآذى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولعن من كتم ما أنزل الله سبحانه من البينات والهدى، والذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات بالفاحشة، وهناك الكثير من المعاصي والذنوب التي لعن الله عز وجل فاعلها.
الذنوب تُدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هناك من الذنوب ما تُدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعن الواشمة والمستوشمة، والواصلة والموصولة وانامصة والمتنمصة، والواشرة والمستوشرة.
ولعن أكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهده، ولعن المحلل والمحلل له، ولعن السارق، وشارب الخمر وساقيها وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها، والحقيقة أن هناك الكثير من الذنوب التي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلها، ولعن رسول الله من لعنه الله عز وجل.
الذنوب تُطفئ الغيرة:
الذنوب تُطفئ من قلب العبد نار الغيرة التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن، فالغيرة حرارته وناره التي تُخرج ما فيه من الخبث والصفات المذمومة، كما يُخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديد، وأشرف الناس وأعلاهم همة أشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أغير الخلق على الأمة، والله سبحانه وتعالى أشد غيرة منه، كما ثبُت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال: “أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه. والله أغير مني”.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن من الغيرة ما يحبها الله، ومنها ما يبغضها الله، فالتي يبغضها الله الغيرة في غير ريبة”.
كلما اشتدت ملابسة العبد للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة على نفسه وأهله وعموم الناس، وقد تضعف في القلب جدًا حتى لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيره، وإذا وصل إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك.
وكثير من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح، بل يُحسن الفواحش والظلم لغيره، ويزينه له، ويدعوه إليه، ويحثه عليه، ويسعى في تحصيله، ولذلك كان الديوث أخبث خلق الله، والجنة حرام عليه، وكذلك محلل الظلم والبغي لغيره ومزينه له.
ومن ذلك نجد أن أصل الدين الغيرة، ومن لا غيرة له لا دين له، فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح.
المعاصي تُذهب الحياء:
المعاصي تُذهب عن فاعلها الحياء، وحين يذهب الحياء الذي هو مادة حياة القلب وأصل كل خير يذهب الخير أجمعه، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الحياء خير كله”، وقال: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت” وفيه تفسيران:
أحدهما: أنه على التهديد والوعيد، بمعنى من لم يستحي فإنه يصنع ما شاء من القبائح حيث أن الحامل على تركها الحياء، فإذا لم يكن هناك حياء يردعه عن القبائح فإنه يواقعها، وهذا تفسير أبي عبيدة.
والثاني: أن الفعل إذا لم تستح منه من الله فافعله، وإنما الذي ينبغي تركه هو ما يستحيى منه من الله، وهذا تفسير الإمام أحمد.
والخلاصة أن الذنوب تُضعف الحياء من العبد، حتى ربما انسلخ منه بالكلية، حتى إنه ربما لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله ولا باطلاعهم عليه، بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعل، والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء، وإذا وصل العبد إلى هذه الحال لم يبق في صلاحه مطمع.
الذنوب تُضعف في القلب تعظيم الله:
المعاصي والذنوب تُضعف في القلب تعظيم الله عز وجل وتُضعف وقاره في قلب العبد، فلو كان يُعظم الله ويوقره في قلبه لما تجرأ على معصيته، فعظمة الله تعلى في قلب العبد تقتضي تعظيم حرماته، وتعظيم حرماته تحول بينه وبين الذنوب، والمتجرئون على معاصيه ما قدروا الله حق قدره.
ويا لها من عقوبة للعاصي أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق، ويهون عليهم، ويستخفون به، كما هان عليه أمره واستخف به، فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الخلق، وعلى قدر تعظيمه لله وحرماته يُعظمه الناس، وكيف ينتهك عبد حرمات الله، ويطمع ألا ينتهك الناس حرماته أم كيف يهون عليه حق الله ولا يهونه الله على الناس؟ أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف الخلق؟، كما جاء في قوله تعالى: “وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَالَهُ مِن مُّكرِمٍ”.
المعاصي تُزيل النعم:
المعاصي تُزيل النعم عن العبد وتحل النقم، فما زال عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة”.
وقد قال الله تعالى: “وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ” (سورة الشورى، الآية 30)، وقال أيضًا: “ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (سورة الأنفال، الآية 53).
فأخبرنا الله تعالى أنه لا يُغير نعمه التي أنعم بها أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غير غُير عليه، جزاء وفاقًا، وما ربك بظلام للعبيد.
كيفية التخلص من آثار الذنوب والمعاصي
ابن القيم يضع خطوات عملية للتخلص من آثار الذنوب:
التوبة النصوح:
التوبة هي أول خطوة نحو العودة إلى الله حيث يقول الله تعالى: “وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (سورة النور، الآية 31)، ويرى ابن القيم أن التوبة الصادقة تشمل الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه (مدارج السالكين).
الاستغفار:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم.” (رواه مسلم)، ويؤكد ابن القيم أن كثرة الاستغفار تجلب الطمأنينة وتزيل آثار المعصية عن النفس (الداء والدواء).
الإكثار من الحسنات:
الحسنات تزيل السيئات كما ورد في قوله تعالى: “إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ” (سورة هود، الآية 114)، ويوضح ابن القيم أن العبادات مثل الصلاة، والصدقة، وذكر الله تزيل أثر الذنوب عن القلب (زاد المعاد).
صحبة الصالحين:
“المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل” (رواه أبو داود والترمذي)، ويشير ابن القيم إلى أهمية الصحبة الصالحة في تقويم النفس والإعانة على الثبات في الطاعة.
تذكر عاقبة الذنوب:
من أقوال ابن القيم: “تفكر ساعة أنفع من عبادة سنة.”، فالتأمل في عاقبة الذنوب وعقابها الأخروي يوقظ القلب ويدفع الإنسان لتجديد علاقته مع الله (الفوائد).