أنواع الحياء في الإسلام، الحمد لله الذي جعل الحياء شُعبة من شعب الإيمان، وزينة للإنسان، ووقاية من الوقوع في المعاصي والآثام، والصلاة والسلام على خير من تحلى بالحياء سيدنا محمد ﷺ، الذي قال: “الحياء لا يأتي إلا بخير” (صحيح البخاري)، فالحياء خُلُق عظيم يُزَكِّي النفوس ويرفع شأن صاحبه في الدنيا والآخرة، وهو سمة بارزة في الإسلام تدعو إلى الالتزام بكل ما هو طاهر ونقي.
سنتناول في هذا المقال تعريف الحياء في الإسلام وأنواعه ومظاهره، وما يندرج من أنواع أخرى تحت أنواع الحياء في الإسلام.
تعريف الحياء في الإسلام
لغةً: الحياء مشتق من “الحَيَاة”، وهو انقباض النفس عن فعل ما يُذَمّ ويُستقبح.
شرعًا: خُلُق يبعث صاحبه على اجتناب القبيح، ويمنعه من التقصير في حق الله وحقوق الناس.
قال الإمام النووي رحمه الله: “الحياء خُلُق يَحمل على اجتناب القبيح، ويَمنع من التقصير في حق ذي الحق”.
أنواع الحياء في الإسلام
الحياء في الإسلام له ثلاث أنواع، وهي الحياء من الله، والحياء من الناس، والحياء من النفس، وهناك أنواع تندرج تحت كلاً منها:
1- الحياء من الله:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه: “أُوصيكَ أنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ كما تَسْتَحِي رجلًا من صالِحِي قَوْمِكَ” (رواه الطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان).
وقال بعض السلف: خَفِ الله على قدر قدرته عليك، واستَحِ منه على قدر قربه منك.
وسُئل أحد الصالحين عن معنى الحياء من الله عز وجل فقال: الحياء من الله يكون في ثلاث خصال:
- أن تستشعر دوام إحسان الله عليك مع إساءتك وتفريطك.
- أن تعلم أنك بعين الله عز وجل في منقلبك ومثواك.
- أن تذكر وقوفك بين يدي الله عز وجل، ومساءلته إياك عن الصغيرة والكبيرة.
والحياء من الله ينقسم إلى أربع أنواع وهم:
حياء جناية:
ويكون ناتج من الشعور بالذنب، ويأتي بعد الوقوع في المعصية، كحياء سيدنا آدم عليه السلام حين انطلق مُولِّيًا في الجنة بعد أن أكل من الشجرة، وبدت له سوءته، فناداه ربه سبحانه وتعالى: يا آدم، أمِنِّي تفر؟ قال: لا، ولكني استحييت منك يا رب (أخرجه عبد الرزاق في مصنفه).
حياء تقصير:
ويكون ناتج عن الشعور بالتقصير في أداء حق الله سبحانه وتعالى من عبادته كما ينبغي؛ كحياء الملائكة الذين قال الله عز وجل فيهم: “يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ” (سورة الأنبياء، الآية 20)، وقال فيهم أيضًا سبحانه وتعالى: “لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ” (سورة التحريم، الآية 6)، وهم مع ذلك يقولون لله عز وجل: ما عبدناك حق عبادتك.
وروي أن أبا حنيفة كان يُحيي نصف الليل، فمر يومًا في طريق، فسمع إنسانًا يشير إليه ويقول: هذا الرجل يُحيي الليل كله، فقال: أرى الناس يذكرُونني بما ليس فيَّ، فلم يزل بعد ذلك يُحيي الليل كله، وقال: أنا أستحي من الله أن أُوصف بما ليس فيَّ من عبادته.
حياء إجلال:
ويكون ناتج عن الشعور بجلال الله عز وجل وعظمته، وعلى حسب معرفة العبد بربه، يكون حياؤه منه كحياء إسرافيل عليه السلام الذي تسربل بجناحه حياءً من الله عز وجل، وكحياء الصِّديق رضي الله عنه الذي كان يُخفض رأسه عند دخوله الخلاء حياءً من الله عز وجل.
ولما احتضر الأسود بن يزيد النخعي بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ فقال: ما لي لا أجزع، ومن أحق بذلك مني؟! والله لو أنبئت بالمغفرة من الله لأهابن الحياء منه مما قد صنعت؛ إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير، فيعفو عنه، فلا يزال مستحييًا منه.
حياء السؤال:
وهو حياء العبد من ربه عز وجل حين يسأله حوائجه، احتقارًا لشأن نفسه، واستصغارًا لها، كحياء سيدنا موسى عليه السلام حيث قال: إني لتعرض لي الحاجة من الدنيا، فأستحي أن أسألك يا رب، فقال له الله عز وجل: يا موسى، لا تخف مني بخلًا أن تسألني عظيمًا، ولا تستحي أن تسألني صغيرًا، سلني حتى ملح عجينك وعلف حمارك.
2- الحياء من الناس:
والحياء من الناس يكون بكف الأذى، وترك المجاهرة بالقبيح، فعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “مَن لَا يَستَحِي مِنَ النَّاسِ لَا يَستَحِي مِنَ الله” (رواه الطبراني في الأوسط).
والحياء من الناس له ثلاث أنواع، وهي:
حياء كرم:
كحياء النبي صلى الله عليه وسلم من صحابته الذين دعاهم إلى وليمة عُرسه على زينب، فأطالوا الجلوس عنده، واستحيا صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بالانصراف، حتى نزل توجيه من الله عز وجل لهم في ذلك.
حياء حشمة:
كحياء علي رضي الله عنه حين أمر المقداد بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم المذي، ولم يسأله بنفسه احترامًا لمكان فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجته رضي الله عنها، (فالزوج يُستحب له ألا يذكر ما يتعلق بجماع النساء، والاستمتاع بهن بحضرة أحد من أقارب زوجته) يقول علي رضي الله عنه: كنت رجلًا مذاءً، وكنت أستحيي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال: “يَغسِلُ ذَكَرُه وَيَتَوَضَّأُ” (رواه مسلم).
حياء شرف وعزة:
وهو حياء النفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل وعطاء وإحسان، فصاحب النفس يستحيي من الآخذ، حتى كأنه هو الآخذ السائل، وليس المعطي الجواد.
كيف نستحيي من الناس؟
- ألا نجاهر بالمعصية أمامهم.
- ألا يظهر منا لهم ما حرم الله عز وجل إظهاره.
- أن نعاملهم بما شرع الله عز وجل.
- ألا نسألهم شيئًا من متاع الدنيا.
- أن نراعي معهم الآداب والأعراف المشروعة.
3- الحياء من النفس:
هو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص، وقناعتها بالدون، فيجد نفسه مستحيًا من نفسه، حتى كأن له نفسين، يستحيي بإحداهما من الأخرى، وهذا أكمل ما يكون من الحياء، فإن العبد إذا استحيا من نفسه، فاستحياؤه من غيره أجدر.
والحياء من النفس لا يكون إلا بالعفة وصيانة الخلوات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا كَرِهتَ أَن يَرَاهُ النَّاسُ فَلَا تَفعَلهُ إِذَا خَلَوتَ” (رواه ابن حبان، وحسنه الألباني).
وقال بعض العلماء: من عمل في السر عملًا يستحيي منه في العلانية، فليس لنفسه عنده قدر، وهي أخس عنده من غيره.
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يغتسل في بيت مظلم حتى لا يرى عورة نفسه.
كيف نستحيي من نفوسنا؟
- ألا نرضى لنفوسنا بمعصية الله عز وجل وإقبالها على النار.
- أن نصون خلوتنا مما يغضب الله عز وجل.
- أن نصون نفوسنا عن الدنايا ومساوئ الأخلاق.
أثر الحياء على الإنسان
متى كَمُلَ الحياء بأنواعه الثلاثة عند الإنسان (حياؤه من الله، وحياؤه من الناس، وحياؤه من نفسه)، فقد كَمُلَت فيه أسباب الخير، وانتفت عنه أسباب الشر، وصار بالفضل مشهورًا، وبالجميل مذكورًا.
قال الشيخ محمد الغزالي (رحمة الله عليه) في خُلق المسلم: ” الحياء أمارة صادقة على طبيعة الإنسان، فهو يكشف عن قيمة إيمانه، ومقدار أدبه، وعندما ترى الرجل يتحرج من فعل ما لا ينبغي، أو ترى حمرة الخجل تصبغ وجهه إذا بدر منه ما لا يليق، فاعلم أنه حي الضمير، نقي المعدن، زكي العنصر، وإذا رأيت الشخص صفيقًا بليد الشعور، لا يبالي ما يأخذ أو يترك، فهو امرؤ لا خير فيه، وليس له من الحياء وازع يعصمه عن اقتراف الآثام، وارتكاب الدنايا”.
ويتضح مما سبق أن الأخلاق لا تُقام في النفوس بالتعاليم المرسلة، أو الأوامر والنواهي المجردة، فالتأديب المثمر يحتاج إلى تربية طويلة، ويتطلب تعهدًا مستمرًا، كما يتطلب صدقًا في العزم والعمل، لا مجرد تَمَنَّ وادعاء، فالله تعالى يقول في كتابه الكريم: ” إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ” (سورة الرعد، الآية 11).
كما أن الخلق لا يتكون في النفس فجأة، ولا يُولد قويًا ناضجًا، بل يتكون على مهل، وينضج على مراحل، وإذا كانت الطباع الرديئة دائمة الإلحاح على صاحبها، تُحاول العِوَج بسلوكه بين الحين والحين، فلن يُوقف شرها علاج مؤقت، بل يجب أن يكون العلاج في نفس إلحاحها ونشاطها؛ حتى يؤتي مفعوله في النفس.
وما بذل المرء جهدًا أفضل ولا أحمد عند الله عز وجل من بذله الجهد في تزكية نفسه وتقويمها، وإكسابها الصفات والأخلاق الحميدة، التي ينال بها رضا الله عز وجل.
الحياء وما يختلط به
قد يتم الخلط بين الحياء وبين أمور أخرى، أو قد يظن البعض أن هناك تعارضًا بين الحياء وصفات أخرى، فقد ظن بعض الناس أن الحياء صورة من صور الضعف النفسي والجبن، وشكل من أشكال الرياء، ولكن الحياء شعبة من شُعب الإسلام، وهي شعبة جليلة خصها النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر بعد أن بين أعلى شُعب الإيمان وأدناها، حيث قال: “الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ” (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: “الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ” (رواه مسلم)، وقال: “الحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ” (رواه البخاري).
إن هذا الحياء لا يمكن أن يشتمل على مثل هذه الصفات السيئة المذكورة، أو يؤدي إليها، فإن الحييَّ من أقوى الناس شكيمة وأشدهم بأسًا في الدفاع عن الحق، ولا يخشى في الحق لومة لائم.
مظاهر الحياء في الإسلام
الحياء في العبادة والطاعة
الحياء من الله تعالى في أداء العبادة يعني إتمامها على أكمل وجه، مع الخشوع والتذلل أمامه، والشعور بحضور الله في كل لحظة من لحظات الحياة، والله تعالى يقول في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا۟ لَا تَقْرَبُوا۟ الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا۟ مَا تَقُولُونَ…} (سورة النساء، الآية 43)، ويشير الله في هذه الآية إلى ضرورة الخشوع في الصلاة، وهو أحد مظاهر الحياء من الله في العبادة.
والنبي ﷺ قال: “إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فلا يرفع رأسه حتى يُحسن الصلاة، وإذا سجد فلا يرفع رأسه حتى يُحسن السجود” (صحيح مسلم)، ويدل هذا الحديث على أن الحياء من الله في العبادة يكون بتقديم العمل على أكمل وجه دون إهمال أو تقصير.
الحياء من المعاصي والذنوب
الحياء من الله يمنع المؤمن من ارتكاب المعاصي ويجعله يبتعد عن كل ما يغضب الله، ويشعر بالخجل من تقصيره في حقه، كما أن الخوف من الله يحجز العبد عن الوقوع في الخطايا.
الحياء في التعامل مع الناس
الحياء في التعامل مع الآخرين يعني أن يكون الإنسان حريصًا على التزام الأدب في كل أفعاله وأقواله، ويجنبهم ما يؤذيهم أو يسيء إليهم، فالله تعالى يقول: {وَقُولُوا۟ لِلنَّاسِ حُسْنًا} (سورة البقرة، الآية 83)، فهذه الآية تُبين أهمية الحياء في القول مع الناس، بحيث يكون الكلام طيبًا ومؤدبًا، بعيدًا عن أي قبح أو سوء.
الحياء في اللباس والمظهر
الحياء يظهر جليًا في مظهر المسلم سواء في لباسه أو في تعبيراته، فهو يحفظ ماء وجهه ويُظهر النقاء والطهارة، كما أن الحياء جزء من جمال الإنسان سواء في الرجال أو النساء، ويظهر في لباسهم وطريقة تعاملهم.
الحياء في التعامل مع الأسرة
الحياء يجب أن يظهر في تعامل الرجل مع زوجته وأبنائه، بحيث يُظهر لهم الاحترام واللطف، ويعلمهم كيف يكونون حريصين على طاعة الله، فالله تعالى يقول: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (سورة النساء، الآية 19).
الحياء في الدعوة إلى الله
الحياء يظهر أيضًا في طريقة دعوة المسلم للآخرين إلى الخير، بحيث يكون داعيًا بالحكمة والرفق دون تكلف أو تعنيف، فالله تعالى يقول: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (سورة النحل، الآية 125)، ويدل هذا على ضرورة أن يكون الداعي إلى الله حييًّا في طرحه، محترمًا في تعامله، مُنزهًا عن اللفظ الفاحش أو المبالغة في الكلام.
في الختام، بعد أن قدمنا أنواع الحياء في الإسلام ومظاهره، نجد أن الحياء أساس من أسس الإيمان، ودليل على طهارة النفس ورجاحة العقل، فهو سمة المؤمنين وعلامة الصالحين، وبه تُبنى المجتمعات الفاضلة، فلنجعل الحياء زادنا في الدنيا، وحلية لنا في الآخرة، مستشعرين قول النبي ﷺ: “إن لكل دين خُلُقًا، وخُلُق الإسلام الحياء” (سنن ابن ماجه)، فاللهم ارزقنا الحياء منكَ، واغرس في قلوبنا خشيَتك، ووفقنا للسير على خطى نبيك محمد ﷺ.
المصدر