السيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ومن أوائل النساء اللاتي أسلمن ورافقن النبي في صراعات الدعوة الأولى.
سنستعرض في هذا المقال سيرة السيدة سودة بنت زمعة وكيف أثرت حياتها في مسيرة الدعوة الإسلامية من خلال مواقفها البطولية التي تقدم لنا دروساً عظيمة في العطاء والوفاء.
نسب السيدة سودة بنت زمعة ونشأتها
هي السيدة سودة رضي الله عنها بنت زمعة العامري وأمها الشموس بنت قيس من بني عدي بن النجار، وكان أبوها مشركًا حينما خطبها النبي ﷺ.
قبل زواجها من النبي ﷺ كانت متزوجة من ابن عمها السكران بن عمرو العامري وقد هاجر بها إلى الحبشة خوفًا على دينه وأنجبت من ابن عمها خمسة أولاد وقيل ستة.
كما أنها من أوائل النساء اللاتي دخلنَّ الإسلام واحتضنَّ الدعوة مبكرًا، فهي تربت في دار الأرقم بن أبي الأرقم تربية خالصة جعلت الدعوة تسري في كيانها مسرى الدم، فعاشت لها.
هجرتها رضي الله عنها
هاجرت السيدة سودة رضي الله عنها مع زوجها ومجموعة من الصحابى تاركين الدار والأوطان والأحباب إلى مصير مجهول بالنسبة لهم، وأناس غرباء لكن الله عوضهم خيرًا بملك عادل وهو “النجاشي” الذي أمَّنَهم على أنفسهم ودينهم .
ثم أراد الله أن يعودوا إلى وطنهم “مكة” مرة أخرى؛ لينعموا بصحبة النبي ﷺ الذي يستعذب المؤمن في جواره كل مكروب.
لكن قريش قابلتهم بالمزيد من الكيد والإيذاء والمكر السيء حتى أذن لهم الرسول ﷺ بالهجرة إلى يثرب، وخرجت السيدة سودة رضي الله عنها مهاجرة مع باقي المسلمين.
نزلت السيدة سودة هي وإخوانها الذين هاجرة إلى يثرب في رحاب الأنصار الذين قال الله فيهم: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). [سورة الحشر، الآية 9]
زواج السيدة سودة رضي الله عنها من النبي ﷺ
بعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها لاحظ الصحابة آثار الحزن على نبيهم وكانوا يُشفقون عليه من الوحدة، وحاولت السيدة ” خولة بنت بنت حكيم” السعي من أجل عرض زوجة لترعى بناته واقترحت عليه الزواج فقال لها: ” مِن بَعدِ خَدِيجَة”؟، فعرضت عليه اثنتين إحداهما صغيرة السن بكر وهي “عائشة” رضي الله عنها؛ لتعمل على رأب الصدع وتبديد الحزن، والأخرى كانت ثيب وأرملة ناضجة ترعى شؤن البيت ورعاية بناته وهي “سودة” رضي الله عنها.
بعد خطبة النبي للسيدة سودة شاع في مكة أن النبي ﷺ سيتزوج بأرملة مسنة غير جميلة، لكن ذلك لم يؤثر على سودة بل كانت تشعر بالسعادة؛ لأنها ستنال شرف الزواج من النبي ﷺ وكانت تدرك كل ما كان يُقال عنها.
وتم زواجها من النبي ﷺ في رمضان سنة 10 من البعثة، وبذل النبي ﷺ كل طاقته في عدم إشعارها بالفارق بينها وبين السيدة خديجة رضي الله عنها، فكانت السيدة سودة رضي الله عنها مسنة سوداء البشرة لكنها بيضاء السريرة، ونقية القلب.
عاشت السيدة سودة رضي الله عنها في كنف النبي سعيدة وكانت معطاءة وأم رءوم لبنات النبي ﷺ، ونبعًا صافيًا للحنان والمودة.
صفات السيدة سودة رضي الله عنها
كانت السيدة سودة رضي الله عنها ذات خلق حسن تعمل جاهدة على إسعاد الآخرين، فتبذل ما شاء الله لها من كرم وسخاء لا تنظر إلى الدنيا ومتاعها الزائل بل كانت تجود بما يأتيها من مال على كل من حولها رغبة فيما عند الله من نعيم لا يزول.
عُرفت رضي الله عنها بالعابدة الصائمة القانتة لله عز وجل وكانت تعيش مع كتاب الله بقلبها وكل جوارحها ممتلئة القلب بالطمأنينة والسكينة سباقة للخير.
وكانت رضي الله عنها مثالًا للإيثار والقدوة والمثل الحسن حيث كانت تبذل كل جهدها لإرضاء النبي ﷺ، فعندما علمت مكانة السيدة عائشة عند النبي ﷺ ومدى حبه لها وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها ابتغاء مرضاة الله وإسعادًا للنبي ﷺ، وذلك حين شعرت وخافت من أن يفارقها النبي ﷺ، فوافق النبي ﷺ.
ما فعلته السيدة سودة رضي الله عنها نوع من الإيثار يندر وجوده في مثل هذا الموقف عند النساء حيث تنازلت عن حقها لعائشة رضي الله عنها في البيت والفراش، وظلت السيدة عائشة رضي الله عنها تتذكر جميل صنعها حيث قالت: ما رأيت امرأةً أحب إليَّ أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة. (رواه مسلم)
مواقف زوجية طريفة للسيدة سودة رضي الله عنها
كان بيت النبي ﷺ مليء بالمودة والسعادة والسرور في كل ركن من أركانه، وكانت السيدة سودة رضي الله عنها تجيد حس الفكاهة وتُسري به عن قلب النبي ﷺ عند الملمات والأحزان، فظلت الدواء الذي يداوي كل غم عن نفسه الشريفة ولا تتركه حتى يفتر ثغره بالابتسام.
وكان سلوك السيدة سودة يناسب السيدة عائشة رضي الله عنها التي أحبتها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان عندي رسول الله وسودة، فصنعت حريرة وجئت بها،فقلت لسودة: كُلي، فقالت: لا أحبه، فقلت: والله لتأكلن أو لألطخن به وجهك، فقالت: ما أنا بذائقته. فأخذت بيدي في الصحفة شيئًا منه، فلطخت به وجهها ورسول الله جالس بيني وبينها، فخفض لها رسول الله ركبتيه لتستقيد مني، فتناولت من الصحفة شيئًا، فمسحت بها وجهي ورسول الله ﷺ يضحك. (رواه أبو يعلى بإسناد جيد)
بركة السيدة سودة بنت زمعة على المسلمين
كانت السيدة سودة رضي الله عنها قدوة صالحة ونزلت بشأنها آية كريمة تحمل حكمًا شرعيًا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذنت سودة رضي الله عنها ليلة المزدلفة أن تدفع قبل حطمة الناس، وأقمنا حتى أصبحنا نحن،ثم دفعنا بدفعة، فلأن أكون استأذنت رسول الله ﷺ كما استأذنته سودة رضي الله عنها أحب إليَّ من مفروح به. (رواه البخاري)
وحطمة: أي زحمة، ومفرح به: أي ما يفرح به كل شيء.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول لأزواجه في حجة الوداع: “هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورُ الحُصَرِ”(رواه أحمد)، والمراد هنا أن تلزم نساء النبي ﷺ البيوت بعد هذه الحجة ولا يخرجن منها.
قال صالح: فكانت سودة تقول: لا أحج بعدها.
والآية التي نزلت فيها هي آية الحجاب، فعن عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي ﷺ كُنَّ يخرجنَّ بالليل إذا تبرزن إلى المناصع – وهو صعيد أفيح – فكان عمر يقول للنبي ﷺ: احجب نساءك. فلم يكن رسول الله ﷺ يفعل من دون وحي، فخرجت سودة زوج النبي ﷺ ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة!. حرصًا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله عز وجل آية الحجاب. (رواه البخاري)
روايتها للحديث
روت السيدة سودة رضي الله عنها عن النبي ﷺ خمسة أحاديث، ومنها أنها قالت: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: إن أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع أن يحج، فقال ﷺ: ” أَرَأَيتَ لَو كَان عَلَى أَبِيكَ دَينٌ فَقَضَيتَهُ عَنهُ قَبِلَ مِنهُ؟”، قال: نعم. قال: “فَاللهُ أَرحَمُ، حُجَّ عَن أَبِيك” (رواه الدرامي).
وفاة السيدة سودة بنت زمعة
عاشت السيدة سودة مع النبي ﷺ ثلاثة عشرة سنة وبعد وفاة النبي ﷺ، فحزنت لموته حزنًا شديدًا لكنها احتسبته عند الله؛ لتنال ثواب الصابرين، ويكفيها أنه مات راضيًا عنها، وظلت على عهدها بالرسول ﷺ و أحسن إليها أبو بكر رضي الله عنه، ومن بعده عمر رضي الله عنه حيث امتد عمرها إلى نهاية خلافته رضي الله عنه وكانت وفاتها في شهر شوال سنة 54 من الهجرة رضي الله عنها وعن أمهات المسلمين.
في الختام، نكون قد عرضنا لكم قصة السيدة سودة والتي يُحتظى بها في الصبر، والوفاء، والثبات، والإيمان العميق في أصعب الظروف، فتذكروا دائماً أن كل واحدة منا يمكن أن تترك أثراً عظيماً في حياة الآخرين تماماً كما فعلت السيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها.
المصادر
اكتشاف المزيد من إقرأ يا مسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.