الصبر على البلاء..كيف تحول محنتك إلى منحة ربانية
تعرف على فضل الصبر على البلاء
الصبر على البلاء من أعظم القيم التي يركز عليها الإسلام حيث يُعد وسيلة لتزكية النفس وتقوية الإيمان، فالحياة الدنيا مليئة بالتحديات والمصاعب التي تواجه الإنسان في ماله، صحته، وأهله.
ويأتي الصبر كحل إيماني يساعد المسلم على تجاوز المحن بثبات وثقة في الله، والإبتلاء جزء من سنة الحياة، ويُدرك المؤمن أن ما يصيبه من شدة هو اختبار من الله، وأن الصبر عليه هو باب للفوز برضا الله والأجر العظيم في الدنيا والآخرة.
تعريف الصبر على البلاء
المحتوى :
Toggleالصبر على الإبتلاء هو قدرة الإنسان على تحمل المصائب والشدائد التي تصيبه في حياته سواء كانت في ماله، أو صحته، أو أهله، أو أي جانب آخر من جوانب حياته مع استمراره في الثبات على الإيمان والرضا بقضاء الله وقدره.
ويتمثل هذا النوع من الصبر في التسليم الكامل لأمر الله، وتجنب الجزع أو الشكوى مع الاعتقاد الجازم بأن البلاء جزء من حكمة الله في اختبار عباده.
أهمية الصبر على البلاء في الإسلام
- يوضح الإسلام أن الإبتلاء جزء من سنة الله في خلقه، والحياة الدنيا هي دار اختبار وابتلاء، قال الله تعالى: “الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً” (سورة الملك، الآية 2)، فالصبر على الإبتلاء جزء من تحقيق العبودية لله، والتسليم له فيما يقدره على الإنسان.
- الصبر على الإبتلاء من أهم الوسائل التي يرفع الله بها درجات المؤمن في الدنيا والآخرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة» (رواه الترمذي)، ويشير هذا الحديث إلى أن البلاء عند مواجهته بالصبر يكون سببًا في تطهير المؤمن من الذنوب والخطايا.
- يعد الله سبحانه وتعالى الصابرين على الإبتلاء بمعيته الخاصة، قال تعالى: “واصبروا إن الله مع الصابرين” (سورة الأنفال، الآية 46)، وتعني المعية هنا أن الله يمد الصابرين بالعون والتوفيق، ويمنحهم القوة لمواجهة الشدائد، وذلك يجلب لهم السكينة والطمأنينة في أصعب المواقف.
- الصبر على الإبتلاء له مكانة كبيرة عند الله، ووعد الله الصابرين بالجنة وما فيها من النعيم المقيم جزاءً لصبرهم في قوله تعالى: “وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً” (سورة الإنسان، 12).
- الإبتلاء قد يكون علامة على حب الله لعبده، فهو اختبار لثبات إيمان العبد وزيادة اليقين لديه، وجاء في الحديث الشريف: «إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» (رواه الترمذي).
- من قصص القرآن الكريم نجد أن الصبر على البلاء كان سمة من سمات الأنبياء والمرسلين، وكيف كانوا مثالاً يُحتذى في الصبر، فالنبي أيوب عليه السلام صبر على فقدان أهله وصحته وماله، ولم يجزع بل دعا الله: “وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين” (سورة الأنبياء، الآية 83)، وسيدنا أيوب مثال أيضًا لقمة التسليم لله، وهوما يحث المسلمين على التمسك بالصبر مهما كان البلاء شديداً.
درجات الصبر
درجات الصبر في الإسلام تتفاوت بحسب قدرة الشخص على التحمل ورضاه بقضاء الله، ويمكن تقسيم الصبر إلى ثلاث درجات رئيسية:
1- الصبر على الأقدار المؤلمة (البلاء والمصائب)
تتعلق هذه الدرجة بالصبر على الإبتلاءات التي يواجهها الإنسان في حياته من مصائب وأحزان كالفقر، والمرض، وفقدان الأحبة، وغيرها، ويصبر المؤمن على هذه الشدائد دون أن يتذمر أو يعترض على قضاء الله بل يقابلها بالرضا والتسليم.
2- الصبر على الطاعات
ويكون بإلتزام المسلم على العبادات رغم ما قد يواجهه من مشقة أو صعوبات مثل الصلاة، والصوم، والزكاة، ويظل ثابت على أداء الواجبات الدينية بانتظام دون أن تثنيه الظروف أو الكسل عن ذلك.
3- الصبر عن المعاصي والشهوات
وهو الامتناع عن الوقوع في المحرمات والذنوب، وكبح النفس عن إتباع الشهوات والمغريات التي قد تزينها الدنيا، وتعكس هذه الدرجة من الصبر قوة الإرادة والتحكم بالنفس لدى المؤمن.
ثمار الصبر على البلاء
- يجلب الصبر على الإبتلاء سكينة خاصة وراحة داخلية للنفس، وذلك لأن المؤمن الذي يصبر يعرف أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن الله لا يبتليه إلا لحكمة، وهذه الطمأنينة هي نتيجة من نتائج الإيمان العميق بقضاء الله وقدره.
- كلما صبر الإنسان على الإبتلاء ازداد إيمانه، وازدادت قوته الروحية، فالمؤمن الذي يجتاز الابتلاءات بثبات يتعلم أن يتوكل على الله أكثر ويثق في رحمته وحكمته.
- يعد الله الصابرين بالفوز في الدنيا والآخرة، ويكون في الدنيا من خلال التوفيق وتحقيق النجاح على المدى البعيد، وفي الآخرة يكون بالفوز الأكبر بالجنة والنجاة من النار، ويقول تعالى: “فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز” (سورة آل عمران، الآية 185).
كيف يتحقق الصبر على البلاء؟
يتحقق الصبر على الغبتلاء من خلال عدة خطوات تعتمد على توجيهات القرآن والسنة، وتعتبر وسائل أساسية يتبعها المسلم لمواجهة المحن والمصائب بروح راضية وتسليم كامل لأمر الله، وفيما يلي بعض الوسائل التي تحقق الصبر على الإبتلاء:
- الإيمان العميق بقضاء الله وقدره، وأن كل ما يحدث في الحياة هو بتقدير من الله وبحكمة بالغة، وفي كتابه الكريم: “ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير” (سورة الحديد، الآية 22)، فالإيمان بأن كل بلاء هو جزء من خطة الله الحكيمة يساعد المسلم على تحمل الصعوبات بثبات.
- الاستعانة بالصلاة والدعاء، فالصلاة وسيلة فعالة تُعين المسلم على الصبر حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم: “واستعينوا بالصبر والصلاة” (سورة البقرة، الآية 45)، كما أن الدعاء واللجوء إلى الله وقت الإبتلاء يزيد من قوة الإيمان ويشعر المسلم بالطمأنينة، ومن دعاء النبي ﷺ في البلاء: «اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء» (رواه البخاري).
- تذكر الجزاء العظيم للصابرين، فالصابر على البلاء يحصل على أجر عظيم عند الله، ويٌعينه ذلك على مواجهة المصاعب بالصبر والرضا، ويقول الله تعالى في كتابه الكريم: “إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب” (سورة الزمر، الآية 10).
- الرضا بما قسمه الله، فمن أعلى مراتب الصبر هو أن يرضى المسلم بقضاء الله، وليس مجرد التحمل حيث يقول النبي ﷺ: «إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط» (رواه الترمذي)، و الرضا بالبلاء يساعد المسلم على التسليم لحكم الله دون تذمر أو شكوى.
- المداومة على ذكر الله، فذكر الله يخفف من آلام البلاء ويجلب الطمأنينة للنفس، ويقول الله تعالى: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” (سورة الرعد، الآية 28)، كما أن التسبيح والاستغفار هما من الوسائل الروحية التي تهدئ القلوب وتقوي الصبر.
- الاقتداء بالأنبياء والصالحين، فقصص الأنبياء والصالحين تمثل نماذج حية على الصبر في مواجهة البلاء، وتساعد هذه النماذج المسلم على الثبات والصبر في مواجهة الإبتلاءات.
- يقين المؤمن بأن البلاء قد يكون في طياته خير خفي، والنبي ﷺ قال: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» (رواه مسلم)، وكذلك النظر إلى البلاء كوسيلة لرفع الدرجات وتكفير الذنوب وتعزيز قدرة المسلم على الصبر.
- التوكل على الله والاعتماد عليه واليقين بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وقول الله تعالى: “ومن يتوكل على الله فهو حسبه” (سورة الطلاق، الآية 3)، كما أن التوكل على الله يُعين المسلم على الصبر، وذلك لأنه يعلم أن الله لن يتركه وأن فرج الله قريب.
- تذكر المؤمن أن البلاء إختبار، فالله يبتلي عباده ليختبر قوة إيمانهم وثباتهم، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: “أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب” (سورة البقرة، الآية 214)، وتساعد هذه الفكرة المسلم على الصبر لأن البلاء جزء من سنة الله في اختبار المؤمنين.
آيات وأحاديث عن الصبر على البلاء
آيات من القرآن الكريم عن الصبر على الإبتلاء:
- قال الله تعالى: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ” (سورة الزمر، الآية 10).
وتشيرهذه الآية الكريمة إلى عظمة أجر الصابرين على الابتلاء حيث أن أجرهم يأتي بلا حد أو قياس.
- قال الله تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” (سورة البقرة، الآية 155-156)
- قال الله تعالى: “إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ” (سورة هود، الآية 11)
وتُبين هذه الآية أن الصبر مقترن بالأعمال الصالحة، ومن ثم ينال الصابرون المغفرة والأجر الكبير. - قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (سورة آل عمران، الآية 200)
تدعو هذه الآية إلى الصبر والمثابرة موضحة أن الصبر مرتبط بالفلاح والنجاح.
أحاديث نبوية عن الصبر على الإبتلاء
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ:
“إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ” (رواه الترمذي)
يوضح هذا الحديث أن الإبتلاء دليل على محبة الله لعباده، وأن الصبر يفضي إلى رضا الله. - عن صهيب رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ:
“عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ” (رواه مسلم)
يُبين هذا الحديث أن المؤمن رابح في كل الأحوال في السراء والضراء، وإذا صبر وشكر. - عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال:
“مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ” (رواه البخاري ومسلم)
يُوضح الحديث أن أي مصيبة أو ألم يصيب المسلم هو تكفير لذنوبه حتى لو كان شيئًا بسيطًا كالشوكة. - عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال:
“إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى” (رواه البخاري)
و يُبين هذا الحديث أن الصبر الحقيقي هو الذي يظهر عند وقوع المصيبة مباشرة حيث يكون الاختبار الأصعب.
في الختام، نجد أن الصبر على البلاء من أهم القيم التي دعا إليها الإسلام حيث يرتقي بالمؤمن إلى مستويات عالية من الإيمان واليقين بالله، فهو انضباط نفسي وقوة داخلية تدفع المؤمن إلى تقبل ما كتبه الله برضا وثقة، ويتعلم الإنسان من خلال الصبر كيف يحول المحن إلى منح ربانية، ويكتسب من تجاربه قوة إيمانية وروحية تجعله أقرب إلى الله، فالأجر الذي ينتظر الصابرين في الدنيا والآخرة يعكس كرم الله ولطفه بعباده حيث يُوفى الصابرون أجرهم بلا حساب، فيصبح الصبر بابًا لتحقيق السعادة والرضا الحقيقيين.
المصادر
مرتبط
اكتشاف المزيد من إقرأ يا مسلم
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.