القران الكريم

تفسير سورة المطففين بشكل مبسط

تعرف على تفسير سورة المطففين

تفسير سورة المطففين بشكل مبسط

تفسير سورة المطففين، تُعد سورة المطففين من السور المكية التي نزلت في مكة المكرمة، وتدور موضوعاتها الرئيسية حول التحذير من التلاعب بالوزن والميزان في المعاملات التجارية مع التأكيد على العدالة والحق، وتبدأ هذه السورة بكلمات شديدة في تحذير من أولئك الذين يقصرون في وزنهم ويغشون الناس، ويعدهم الله بعذاب أليم في الآخرة، كما أن هذه السورة تحمل في طياتها رسالة عظيمة تتجاوز مسألة التجارة لتشمل أخلاقيات التعامل مع الآخرين والالتزام بالعدل.

تفسير سورة المطففين بشكل مبسط
تفسير سورة المطففين

سورة المطففين مكتوبة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ۝ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ۝ أَلَا يَظُنُّ أُو۟لَـٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ ۝ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ۝ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ۝ كَلَّآ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍۢ ۝ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا سِجِّينٌۭ ۝ كِتَـٰبٌۭ مَّرْقُومٌۭ ۝ وَيْلٌۭ يَوْمَئِذٍۢ لِّلْمُكَذِّبِينَ ۝ ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ ۝ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِۦٓ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ۝ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَـٰتُنَا قَالَ أَسَـٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ ۝ كَلَّا بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ۝ كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍۢ لَّمَحْجُوبُونَ ۝ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا۟ ٱلْجَحِيمِ ۝ ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِى كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ ۝ كَلَّآ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلْأَبْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ ۝ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا عِلِّيُّونَ ۝ كِتَـٰبٌۭ مَّرْقُومٌۭ ۝ يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ ۝ إِنَّ ٱلْأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ ۝ عَلَى ٱلْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ۝ تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ ۝ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍۢ مَّخْتُومٍۢ ۝ خِتَـٰمُهُۥ مِسْكٌ ۚ وَفِى ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ ۝ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍۢ ۝ عَيْنًۭا يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ ۝ إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُوا۟ كَانُوا۟ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ يَضْحَكُونَ ۝ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ۝ وَإِذَا ٱنقَلَبُوٓا۟ إِلَىٰٓ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُوا۟ فَكِهِينَ ۝ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوٓا۟ إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَضَآلُّونَ ۝ وَمَآ أُرْسِلُوا۟ عَلَيْهِمْ حَـٰفِظِينَ ۝ فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ۝ عَلَى ٱلْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ۝ هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُوا۟ يَفْعَلُونَ ۝

تفسير سورة المطففين

تفسير سورة المطففين من الآية 1 -17

“وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ”

ويل: عذاب أو هلاك أو وادً في جهنم.     

المطففين: المنقصون في الكيل أوالوزن.

بدأت السورة بإعلان الحرب على المطففين في الكيل والوزن، الذين لا يخافون الآخرة، ولا يحسبون حسابًا للوقفة الرهيبة بين يدي أحكم الحاكمين.

والمراد بالتطفيف هنا هو البخس في المكيال والميزان ، إما بالازياد إن اقتضى من الناس، وإما بالنقصان إن قضاهم.

ولقد أمرنا الله بإيفاء الكيل: (وأوفو الكيل إذا كٍلتُم)، وذكر بعقاب من خالفوا من قوم شعيب؛ لأن هذا تلاعب بمصالح الناس، وإضرار كبير بالمجتمع.

“الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ۝ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ”

اكتالوا: اشتروا بالكيل.      يستوفون: يأخذونه وافيًا أو زائدًا.

يخسرون: ينقصون الكيل أو الوزن.

فسر الله سبحانه وتعالى المطففين في الكيل أو الميزان بأنهم الذين يأخذون حقهم وافيًا وزائدًا، أو الذين ينقصون فيه، وقد وعدهم الله بالخسار والهلاك، وهو الويل.

والتطفيف له عدة صور، وسلوكيات مذمومة نهى عنها الإسلام، ويُعاقب صاحبها وإن كان كبيرًا من الكبراء، أو عينًا من الأعيان؛ لأنهم يحصلون على حقوقهم بظلم الناس، وبالقهر والقسر، وقد يكون التطفيف في البيع والشراء، بالقول والفعل، وقد يكون في الحرب والسلم، وقد يكون في المعاملة بالسوء والذم، وقد يكون باحتقار السلع والمؤن.

والطغاة البغاة الظلمة المطففون في أي صورة من صور التطفف في المال، أو سائر الحقوق والواجبات هم الذين يشكون أكثر من غيرهم من سيطرة ذلك المنهج العادل النظيف، الذي لا يقبل المساومة ولا االمداهنة، ولا إنصاف الحقوق.

“أَلَا يَظُنُّ أُو۟لَـٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ ۝ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ۝ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ”

ألا يعمل هؤلاء المطففين لليوم الذي فيه يبعثون؟ فهؤلاء المطففين عائدون إلى الله، ومبعثون ليوم البعث والنشور، ذلك اليوم العظيم الذي يبعثون فيه حفاة عراة خاشعين خاضعين لرب العالمين، وينكر الله فعل هؤلاء بالسؤال الاستنكاري “ألا يظن”.

والتصدي لشأن المطففين في سورة مكية أمر ملفت للنظر، فالسور المكية عادة توجه اهتمامها إلى أصول العقيدة الكلية، أما التصدي لمسألة أخلاقية كالتطفيف في الكيل أو الميزان هو أمر يستحق الانتباه، وهو ما يدل على عددة دلالات.

دلالات آيات التطفيف المكية

  • الإسلام كان يواجه في مكة حالة صارخة من التطفيف يزولها الكبراء، الذين كانوا في الوقت ذاته هم أصحاب التجارات الواسعة، والتي تكاد أن تكون احتكارًا.
  • المطففين الذين يتهددهم الله بالويل، ويعلن عليهم الحرب كانوا طبقة الكبراء ذوي النفوذ، الذين يملكون إكراه الناس على ما يريدون، فهم يكتالون على الناس، لا من الناس، فكأن لهم سلطانًا على الناس بسبب من الأسباب يجعلهم يستوفون المكيال والميزان منهم استيفاء وقسرًا، وكانت حاجة الناس لما في أيديهم منه واحتكارهم للتجارة يضطر الناس إلى قبول هذا الجور منهم، كما يقع حتى الآن في الأسواق.
  • طبيعة الدين الإسلامي، وشمولية منهجه في الحياة الواقعية، وأنه دين يقوم على الأساس الأخلاقي العميق.

“كَلَّآ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍۢ ۝ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا سِجِّينٌۭ ۝ كِتَـٰبٌۭ مَّرْقُومٌۭ ۝ وَيْلٌۭ يَوْمَئِذٍۢ لِّلْمُكَذِّبِينَ ۝ ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ ۝ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِۦٓ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ۝ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَـٰتُنَا قَالَ أَسَـٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ ۝ كَلَّا بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ”

سجين: مأخوذ من السجن، وهو الضيق.

مرقوم: فيه أعمالهم مثبتة عليهم كالرقع في الثوب لا تُنسى ولا تُمحى.

أساطير: أباطيل وأحاديث لا نظام لها، وتطلق الأساطير على كل ما يُكتب.

ران: غلب وغطى على قلوبهم حتى اسودت، فالران هو الطبع والتغطية.

ذكر الله مآل الفجار في مكان ضيق في أسفل سافلين، وذلك ليرتدع هؤلاء المطففون عن غفلتهم عن البعث والجزاء، وجاء الاستفهام في “وما أدراك ما سجين” للتعظيم والتهويل، وأن هناك كتاب مكتوب فيه كالرقم في الثوب لا يمحى أُثبتت فيه أعمالهم الشريرة، فجاء عن ابن كثير أنه قال: ” سجين مأخوذ من السجن، وهو الضيق، ولما كان مصير الفجار إلى جهنم وهي أسفل سافلين، وهي تجمع الضيق والسفول، أخبر تعالى أنه كتاب مرقوم، أي مكتوب مفروغ منه لايزاد فيه، ولا ينقص منه أحد.”

وأن الهلاك والدمار للمكذبين الذين يكذبون بيوم الحساب والجزاء (يوم الدين) وما يكذب بيوم الحساب والجزاء إلا كل متجاوز الحد في الكفر والضلال، مبالغ في العصيان والطغيان كثير الآثام.

ثم وضحت الآيات إجرام هذا المكذب، الذي تتلى عليه آيات القرآن الناطق بحصول البعث والجزاء، وقال عنها أنها حكايات وخرافات الأوائل سطروها وزخرفوها في كتبهم، وأن ذلك الفاجر لا يرتدع عن قول الباطل، فليس القرآن أساطير الأولين، ثم بَين تعالى السبب وراء التكذيب بأنه الغشاوة التي غطت قلوبهم مما كسبوا من الذنوب، وطمست بصائرهم، وصاروا لا يعرفون الرشد من الغي، قال المفسرون: الران هو الذنب على الذنب حتى يسود القلب.

“كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍۢ لَّمَحْجُوبُونَ ۝ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا۟ ٱلْجَحِيمِ ۝ ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِى كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ”

سمى الله مخسري الكيل فجارًا، كما سماهم مطففين، وقد ذكر ألوانًا من العقاب ينتظرهم، فالأول أنهم يحجبون عن ربهم يوم القيامة، حينما ينظر إليه جل وعلا الناظرون، فالآيات تؤكد نظر المؤمنين والمؤمنات إلى ربهم يوم القيامة، ورؤيته رأي العين.

وثاني عقاب هو دخول النار، والثالث هو التوبيخ والتبكيت والتأنيب، وتقول لهم خزنة جهنم أن هذا ما كنتم به تكذبون.

والتذكير بهذا الوعيد ردع وأسلوب رباني في التعامل مع المفسدين لعلهم يرجعون، ولهذا صدرت الآيات بلفظة (كلا) التي تفيد الردع، أي ليرتدع هؤلاء المكذبون عن غيهم وضلالهم، فهم في الآخرة محجبون، والله أعلم.

تفسير سورة المطففين من الآية 18 – 36

“كَلَّآ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلْأَبْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ ۝ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا عِلِّيُّونَ ۝ كِتَـٰبٌۭ مَّرْقُومٌۭ ۝ يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ ۝ إِنَّ ٱلْأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ ۝ عَلَى ٱلْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ۝ تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ ۝ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍۢ مَّخْتُومٍۢ ۝ خِتَـٰمُهُۥ مِسْكٌ ۚ وَفِى ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ ۝ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍۢ ۝ عَيْنًۭا يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ ۝ إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُوا۟ كَانُوا۟ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ يَضْحَكُونَ ۝ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ۝ وَإِذَا ٱنقَلَبُوٓا۟ إِلَىٰٓ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُوا۟ فَكِهِينَ ۝ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوٓا۟ إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَضَآلُّونَ ۝ وَمَآ أُرْسِلُوا۟ عَلَيْهِمْ حَـٰفِظِينَ ۝ فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ۝ عَلَى ٱلْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ۝ هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُوا۟ يَفْعَلُونَ”

عليين: ديوان الخير يوضع بمكان عالي.

الأرائك: أسرة لها ستور.

نضرة: صفة الترف والحشمة والسرور والدّعة والرياسة.

رحيق: شراب خالص مصفى.

مختوم: أوانية مقفلة مصونة تفتح لمن يشربها.

ومزاجه: مزاج الشراب ما يمزج به، أي يخلط.

يتغامزون: يحركون أعينهم استهزاءً.

فكهين: متلذذين باستخفافهم.

ثُوِب: جوزوا بسخريتهم بالمؤمنين.

ذكر الله عز وجل مآل الأبرار بعد ذكر الفجار، وهو أسلوب تشويق بعد الردع والتهديد، وأن كتاب الأبرا سيكون في عليين، وهو مكان عالٍ مشرف في أعلى الجنة، وجاء لفظ عليين للمبالغة، وهو مشتق من العلو؛ لأنه سبب في ارتفاع الدرجات في الجنة، أو لأنه مكان علي رفيع، وخاطب الله عز وجل سيدنا محمد صلى عليه وسلم، وكل مخاطب بقوله وما أعلمك ما هو عليين؟

يقول ابن القيم: أخبر الله تعالى أن كتابهم كتاب مرقوم؛ تحقيقًا لكونه مكتوبًا كتابة حقيقة، وخص تعالى كتاب الأبرار بأنه يُكتب، ويوقع لهم به بمشهد المقربين من الملائكة والنبين وسادات المؤمنين، ولم يذكر شهادة هؤلاء لكتاب الفجار؛ تنويهًا بكتاب الأبرار وما وقع لهم به، وإشهارًا له، وإظهارًا بين خواص خلقه، كما يكتب الملوك تواقيع مَن تعظمه الأمراء وخواص أهل المملكة؛ تنويهًا باسم المكتوب له، وإشادة بذكره، وهذا نوع من صلاة الله سبحانه وتعالى وملائكته على عبده.

كما أن الأبرار سيصبحوا في نعيم يوم القيامة على السرر المزينة بفاخر الثياب والستور ينظرون إلى ما أعد الله لهم من أنواع الكرامة والنعيم في الجنة، وأثر هذا النعيم يُرى أثره في وجوهم، كما وصف شرابهم المتناهي في الترف والنعيم بأنه يأتيهم بأيدي خدم لهم، ووصفه الله بأنه مختوم قد يفيد أنه معد في أواني، وأن هذه الأواني مقفلة مختومة تُفضُ عند الشراب وهذا الشراب مزاجه من تسنيم، وذكر ابن كثير أن التسنيم عين ماء من أشرف شراب الجنة، وهي مختصة بالمقربين، لكن يُخلط منها شيء مع شراب الأبرار ليزداد طيبًا.

وتبين الآيات أن التنافس في أمر الآخرة يرتفع بأرواح المتنافسين جميعًا، بينما التنافس في أمر الدنيا ينحط بها جميعًا، والسعي لنعيم الآخرة يصلح الأرض ويُعمرها ويُطهرها للجميع، والسعي لعَرَض الدنيا يدع الأرض مستنقعًا وبيئًا تأكل فيه الديدان بعضها البعض، أو تنهش فيه الهوام والحشرات جلود الأبرار الطيبين.

والتنافس في نعيم الآخرة لا يدع الحياة الدنيا خرابًا كما قد يتصور بعض المنحرفين، إنما يجعل الإسلام الدنيا مزرعة الآخرة، ويجعل القيام بخلافة الأرض بالعمار مع الصلاح والتقوى وظيفة المؤمن والمؤمنة الحق، على أن يتوجه بهذه الخلافة إلى الله، ويجعل منها عبادة له تحقق غاية وجوده كما قررها الله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).

أما قول الله تعالى: (وَفِى ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ) فكان لتوجيه أبصارنا وقلوبنا وراء رقعة الأرض الصغيرة الزهيدة، فأعمارنا في هذه الدنيا العاجلة محدودة، وعمرنا في الآخرة الآجلة ممدودة، ومستوى النعيم في هذه الدنيا معروف، ومستوى النعيم هناك يليق في الآخرة يليق بالخلود.

وتنتقل السورة إلى موضوعات السور المكية لتُثَبت المؤمنين، وتهدد المجرمين في آن واحد بألفاظ تُشعرنا كأننا في الآخرة حقًا تأكيدًا على صغر حجم الدنيا، فتعقد مقارنة بين حالهم في الدنيا ومآلهم في الآخرة، فقد كانوا في الدنيا يستهزئون ويسخرون من الذين ءامنوا لفقرهم، ورثاثة حالهم، أو لضعفهم عن رد الأذى، أو لترفعهم عن سفاهة السفهاء.

فكانوا يسخرون بينهم وبين بعضه م بالإشارة بالعين وغيرها بقصد إيقاع الانكسار في قلوب المؤمنين، وإصابتهم بالخجل والربكة، وبعدما أشبعوا نفوسهم من السخرية بالمؤمنين وإيذائهم كانوا راضين عن أنفسهم مبتهجين بما فعلوا مستمتعين بهذا الشر بلا ندم، وهذا منتهى ما تصل إليه النفس من إسفاف وموت للضمير.

وليس أعجب من أن يتحدث هؤلاء الفجار المجرمون عن الهدى والضلال، وأن يشيروا للمؤمنين مؤكدين لهذا الوصف في تشهير وتحقير: (إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَضَآلُّونَ).

والقرآن لا يقف ليجادل عن الذين آمنوا، ولا ليناقش طبيعة الفِرية، فهي كلمة فاجرة لا تستحق المناقشة، ولكنه يسخر سخرية عالية من القوم الذين يدسون أنوفهم فيما ليس من شأنهم، ويتطفلون بلا دعوة من أحد في هذا الأمر.

ويجيء دور هؤلاء المجرمين ليضحك منهم المؤمنون، وسيجزون بمثل ما صنعوا ( فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ۝ عَلَى ٱلْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ )، والقرآن يتوجه بالسخرية العالية مرة أخرى، وهو يسأل: (هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُوا۟ يَفْعَلُونَ

الدروس المستفادة من سورة المطففين

سورة المطففين تحمل العديد من الدروس العميقة والمواعظ الأخلاقية والشرعية التي تعالج مشكلات المجتمع وتوجه الإنسان نحو الصراط المستقيم، ومن أبرز الدروس المستفادة منها:

تحذير من الظلم في المعاملات

أهمية الأمانة في كل أنواع المعاملات سواء كانت تجارية أو غيرها، وأن الغش في أي جانب من جوانب الحياة يفتح باب الفساد ويؤدي إلى غضب الله، حيث بدأت السورة بوعيد شديد للمطففين، وهم الذين يظلمون الناس في الكيل والوزن.

تذكير الإنسان بالميعاد واليوم الآخر

تذكير بأن الإنسان سيحاسب على كل أفعاله يوم القيامة، فالإيمان بالآخرة هو المحرك الأساسي للسلوك القويم حيث يدفع الإنسان لمراقبة أعماله خوفًا من الوقوف بين يدي الله.

تحذير من الغفلة والقسوة القلبية

تُشير سورة المطففين إلى أن كثرة الذنوب والمعاصي تُغلف القلوب، وذلك يجعلها غافلة عن الحق، وأن التوبة والابتعاد عن المعاصي هي الوسيلة الوحيدة لتنقية القلوب وإعادتها إلى فطرتها النقية.

العدالة المطلقة في الحساب

كل إنسان سيُكتب عمله في كتاب يُعرض عليه يوم القيامة، ويكون جزاؤه بحسب ما قدم، فعدالة الله مطلقة، فلا يظلم الله أحدًا، لذلك يجب الحرص على تقديم الخير في الدنيا.

أهمية الإحسان

وصف نعيم الأبرار في الجنة يعكس جزاء الإحسان: “إِنَّ ٱلْأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ”، وذلك دعوة إلى التحلي بالإحسان في الأعمال والعبادات حيث أن الجزاء من جنس العمل.

التحذير من الاستهزاء بالآخرين

السخرية والاستهزاء بالمؤمنين هو صفة أهل الكفر الذين يجهلون عواقب أفعالهم، ومن الضروري احترام الآخرين وعدم الاستهزاء بهم، فالموازين عند الله تختلف عن موازين البشر.

النعيم الأبدي لأهل الجنة

وصف الجنة مثل: “عَلَى ٱلْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ” يشير إلى السعادة الأبدية التي ينالها المؤمنون، والعمل الصالح في الدنيا هو طريق الإنسان نحو السعادة الدائمة في الآخرة.

خطورة التكذيب بالدين

التكذيب بالدين ينشأ من الفسق والاعتداء، وأن الإيمان بالدين وحقيقته هو واجب المسلم، ويجب الحذر من الكفر والتكذيب مهما كانت الظروف.

التنافس في الخير

الدعوة إلى التنافس في الأعمال الصالحة والابتعاد عن التنافس الدنيوي المحض، فالمسلم يجب أن يسعى لأن يكون سباقًا إلى الخيرات والطاعات، فذلك يقربه من الله ويؤهله للنعيم الأبدي.

أهمية الأخلاق في الإسلام

السورة بأكملها توجه الإنسان إلى التحلي بأخلاق عظيمة كالعدل، الأمانة، الإحسان، والتواضع، فالإسلام دين يهتم بإصلاح الفرد والمجتمع من خلال الأخلاق، فحسن الخلق هو علامة الإيمان.

في الختام، بعد أن قدمنا تفسير سورة المطففين نجد أنها تحمل رسالة قوية وواضحة لكل مسلم بضرورة الالتزام بالعدل ليس فقط في المعاملات التجارية ولكن في جميع جوانب الحياة، وأن الله سبحانه وتعالى يطالبنا بالأمانة ويشدد على أهمية العدالة مذكرًا إياكم بعواقب التقصير في ذلك، فلنتذكر دائمًا أن عدالة الله لا تغفل، وأن جزاء الأعمال يوم القيامة سيكون دقيقًا وعادلًا.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index