تفسير سورة النبأ (الآيات 31-40).. وصف النعيم للمتقين وموقف يوم القيامة
تعرف على تفسير سورة النبأ (الآيات 31-40) والدروس المستفادة
تفسير سورة النبأ (الآيات 31-40)، تمثل سورة النبأ إحدى السور العظيمة التي تتحدث عن أهوال يوم القيامة ومصير الخلق بعد البعث، حيث تقسم السورة بين حال أهل الجنة وحال أهل النار، لتقدم صورة واضحة عن العدل الإلهي في الجزاء والثواب، وفي ختامها تأتي الآيات من ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا … يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ لترسم مشهدًا مهيبًا عن نعيم المتقين في الجنة وعذاب المكذبين في الآخرة.
تحمل هذه الآيات معاني عظيمة عن رحمة الله بالمؤمنين، وجزاء المتقين، وهي تذكير لكل إنسان بضرورة العمل الصالح والاستعداد ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، سنستعرض في هذا المقال تفسير هذه الآيات، ونفهم معانيها، والدروس المستفادة منها، لنستلهم منها العبرة والعظة في حياتنا اليومية.
نص سورة النبأ (الآيات 31-40)
“إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا وَكَأْسًا دِهَاقًا لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَٰنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ”
تفسير سورة النبأ (الآيات 31-40)
تفسير سورة النبأ (الآيات 31-36):
“إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36)”
معاني بعض المفردات الواردة في الآيات:
الْمُتَّقِينَ: الذين يخشون الله ويتبعون أوامره.
مَفَازًا: فوزًا ونجاة من العذاب.
حَدَائِقَ: تعني البساتين المليئة بالأشجار المثمرة.
كَوَاعِبَ أَتْرَابًا: تعني النساء الشابات الجميلات المتساويات في العمر، وهنّ من الحور العين.
كَأْسًا دِهَاقًا: أي كأسًا ممتلئًا بشراب لذيذ ليس فيه لغو ولا تأثيم.
لَغْوًا: كلامًا لا فائدة منه.
جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا: أي أن هذا النعيم هو مكافأة من الله، وهو عطاء بغير حساب جزاءً لتقواهم.
تفسير الآيات:
تعرض الآيات المشهد المقابل لمشهد الطغاة في الجحيم، وهو مشهد المتقين في النعيم، حيث يفوز المتقون بالجنة، ويتمتعون ببساتينها وأشجارها المثمرة، وتناول العنب الذي هو من أشهى الفواكه، ويتزوجون فيها الحور العين العذارى، المستويات الخلقة، وفي سن واحدة، وكذلك لهم في الجنات شراب طيب يملأ الكؤوس، ولا يسمع أهل الجنة كلامًا لا فائدة منه ولا كذبًا يزعجهم، ولقد جزاهم الله بفضله وإحسانه عطاءً كافيًا وافيًا كثيرًا.
تفسير سورة النبأ (الآيات 37-38):
“رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَٰنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)”
معاني بعض المفردات الواردة في الآيات:
الرُّوحُ: جبريل عليه السلام.
صَفًّا: مصطفين في طاعة الله.
تفسير الآيات:
تؤكد هذه الآيات عظمة الله وسيادته المطلقة على السماوات والأرض، فهو الذي يُصلح الشيء حتى يبلغ به التمام والكمال، ويُصلح كل ما في الكون، كل ما في أعلاه، وكل ما في أسفله، وكل ما بين أعلاه وأسفله، أحسن كل شيء خَلَقَه، وأتقن كل شيء صَنَعَه، وخشعت لكبريائه رقاب الجبارين، فلا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه، كما قال: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه.
ويأتي المشهد الختامي بوقوف جبريل عليه السلام في حضرة الله عز وجل وبين يديه، ووقوف الملائكة صفًا بين يدي الرحمن خاشعين لا يتكلمون إلا من أُذن له، فلا يبتدئ أحد بالكلام إلا بإذنه، ومن يتكلم يومها فلن ينطق إلا بالحق.
تفسير سورة النبأ (الآيات 39-40):
“ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)”
معاني بعض المفردات الواردة في الآيات:
مَآبًا: مرجعًا ومآلًا.
أَنْذَرْنَاكُمْ: حذَّرناكم.
يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا: تمنِّي الكافر لو لم يُخلق هربًا من العذاب.
تفسير الآيات:
يُوصينا الله تعالى في هذه الآيات بالإعداد ليوم الفصل، فالنبأ العظيم (يوم الفصل) هو اليوم الحق الكائن لا محالة؛ فجدير بكل منا أن يسلك الطريق الذي يؤدي إلى رضا الله يوم نعود إليه، وإلا فليس أمامنا إلا الندم.
فمن لم يُرضي ربه سيندم بين يدي الله يوم القيامة أشد الندم، حتى أنه سيتمنى العدم، يتمنى أن يصير تُرابًا مثل البهائم؛ لئلا يُعذب، ويوم القيامة قريب جدًا؛ فمن مات انقطع عمله، وهو بمثابة من قامت قيامته، ليس بينه وبين القيامة سوى مُضي زمن قصير، فمن أجل منا الطاعة وهو ينوي أن يؤديها قبل أن يموت، فعليه أن يعرف متى يموت، ولن يعرف أحدًا منا ميعاد موته، فليبادر بالطاعات قبل ألا يسعه سوى تمني العدم.
الدروس المستفادة من تفسير سورة النبأ (الآيات 31-40)
- أهمية التقوى والعمل الصالح في الدنيا لضمان الفوز في الآخرة.
- كمال الجزاء الذي أعده الله لعباده الصالحين.
- أن الراحة النفسية في الجنة، حيث لا يوجد لغو ولا كذب، فهي دار سلام وراحة.
- على العبد أن يعلم أن جزاء الله عادل وكريم.
- هيمنة الله المطلقة يوم القيامة، فلا يستطيع أحد أن يتكلم أو يشفع إلا بإذن الله.
- يجب على العبد أن يُفكير في أعماله قبل يوم الحساب، و اغتنام الفرصة في الدنيا قبل فوات الأوان.
- يجب على كل إنسان إلى أن يسعى بنفسه إلى النجاة، باتخاذ طريق الهداية، لأن الخيار بيد الإنسان، والآخرة مبنية على عمله في الدنيا.
في الختام، قدمنا تفسير سورة النبأ (الآيات 31-40)، ونجد أن هذه الآيات تُبين عظمة الله وقدرته المطلقة، وجمال الجنة وراحة أهلها، مقابل شدة الندم والعذاب للكافرين يوم القيامة، وتؤكد على أن كل إنسان مسؤول عن عمله، ويُحاسب عليه بعدل، فمن أراد النجاة فعليه أن يسعى إلى التقوى والعمل الصالح، فاللهم اجعلنا من المتقين الذين أعددت لهم الفوز العظيم، وأسكنَّا جنات النعيم، ونجٍّنا من عذاب يوم عظيم، واغفر لنا ذنوبنا، وثبِّت قلوبنا على الحق، ووفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك عنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
المصدر