شرح حديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم والدروس المستفادة منه
استكشف أسرار حديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم
حديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم، إنَّ السعي إلى معرفة أفضل الأعمال وأحبّها إلى الله هو دأب الصالحين، فالمؤمن الحق لا يكتفي بأداء الفرائض، بل يبحث عمَّا يرفعه عند الله ويقرِّبه من رحمته، والإسلام جاء بأعمال عظيمة مثل الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، ولكن هل هناك عمل يفوق كل هذه الأعمال في الأجر والثواب؟، نعم، إنه ذكر الله تعالى، كما بيَّن لنا النبي ﷺ في الحديث الشريف الذي يُعتبر من جوامع الكلم ويُبرز مكانة الذكر وأهميته في الإسلام.
سنُبين في هذا المقال شرح مبسط لحديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وبيان الدروس المستفادة منه، فتابعوا معنا القراءة.
نص حديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم
عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟»، قالوا: بلى، قال: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى» (رواه الترمذي وابن ماجة).
تخريج حديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزْكاها عند مليككم
رواه الترمذي (3377) وقال: حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه (3790)، وأحمد في المسند (27512)، والنسائي في السنن الكبرى (10550)، والحاكم في المستدرك (1835) وقال: صحيح على شرط الشيخين، كما صحَّحه الألباني في صحيح الجامع (2629)، وقد اتفق العلماء على صحة الحديث وحُسن إسناده.
أهمية الحديث ولماذا يجب علينا فهمه؟
يُعتبر هذا الحديث قاعدة إيمانية عظيمة، لأنه يحدد لنا أفضل العبادات على الإطلاق، وهي ذكر الله تعالى، فكثيرٌ من الناس يعتقدون أن الجهاد أو الصدقة هما أعظم الأعمال، لكن هذا الحديث يبيِّن أن ذكر الله يفوقهما في الفضل.
سبب طرح النبي ﷺ لهذا السؤال بصيغة التشويق
النبي ﷺ لم يُخبر الصحابة مباشرةً، بل استخدم أسلوب الاستفهام التشويقي لجذب انتباههم، وجعلهم متشوقين لمعرفة أفضل الأعمال، وهذا يدلُّ على أهمية ما سيُقال بعد السؤال، حيث أراد النبي ﷺ أن يُعظّم في قلوبهم قيمة ذكر الله، حتى لا يغفلوا عنه.
شرح المفردات الواردة في حديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم
«أَلَا أُنَبِّئُكُمْ»: تعني “هل أخبركم؟”، وهو أسلوب يُستخدم للفت الانتباه إلى أمرٍ مهم.
«بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ»: أي أفضل وأعظم العبادات التي يمكن أن يؤديها المسلم.
«وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ»: أي أطهر الأعمال وأكثرها قبولًا عند الله وأنماها وأنقاها، و”المليك” هو من أسماء الله، ويعني المالك المطلق لكل شيء.
«وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ»: أي أكثرها ارتفاعًا ورفعة، والتي ترفع مقام العبد في الجنة إلى أعلى الدرجات.
«وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ»: أي أن هذا العمل أفضل من الصدقة بالذهب والفضة.
«وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ…»: أي أفضل من القتال في سبيل الله، رغم عظمة الجهاد.
«ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى»: أي جميع أنواع ذكر الله مثل التسبيح، والتهليل، والتكبير، والاستغفار، وقراءة القرآن.
شرح حديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم
يُبيِّن النبي ﷺ في هذا الحديث فضل ذكر الله تعالى، وكونه من أعظم الأعمال التي يُتقرَّب بها إلى الله عز وجل، بل هو خير الأعمال على الإطلاق، متفوقًا على أعمال جليلة مثل الإنفاق في سبيل الله، والجهاد بالنفس والمال.
يبدأ النبي ﷺ حديثه بتنبيه الصحابة إلى أهمية هذا العمل مستخدمًا أسلوب التشويق والإثارة، في عرض رائع وجذاب لما يريد بيانه للصحابة، حيث ذكر لهم عدة فضائل عظيمة، ثم كشف لهم أن هذا العمل يسيرًا وسهلًا يستطيع فعله كل الناس، وفي كل أحوالهم؛ ألا هو ذكر الله تعالى، فعن علي بن أبي طلحة رضي الله عنه قال: ” إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدًا معلومًا، وعذر أهلها في حال العذر، غير الذكر؛ فإن الله لم يجعل له حدًا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه”.
ويدل هذا على أن القرب من الله لا يكون فقط بالأعمال الظاهرة مثل الإنفاق والجهاد، بل القلب له دور عظيم في الإيمان، فإذا كان عامرًا بذكر الله، أصبح الإنسان قريبًا من ربه، مطمئنًا، فينال بذلك الثواب العظيم.
حقيقة الأمر بذكر الله:
أمرنا الله سبحانه وتعالى بذكره في الصباح والمساء، والبر والبحر، والسفر والإقامة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، والسلم والحرب، والسر والعلانية قائمين وقاعدين وعلى جنوبنا؛ فذكر الله هو خير ما يشغل به المسلم وقته، ويُطهر به نفسه، ويُحيي به قلبه، ويسمو بروحه، فيُحسن أداء رسالته في الحياة مُستشعر معية الله الدائمة التي تدفعه إلى المكرمات، من لزوم الطاعات، وحسن الأخلاق، وأكل الحلال الطيب، وتحجبه عن ارتكاب المعاصي، وسوء الخلق، وأكل الحرام الخبيث، مهما كانت المغريات والفتن.
إن هذا الذكر يجعله يبذل الوسع في الطاعة، مع ما يُضفيه الذكر على صاحبه من طمأنينة القلب، وصفاء النفس، وسمو الروح طوال حياته، دون ضعف أو فتور، فإذا لقى الله عز وجل في الآخرة، كان اللقاء على خير حال يُحب أن يلقى الله عليه.
الأمر بالذكر الكثير:
لما للذكر أهمية وأثر في حياة المسلم، فقد أمر الله عباده بالإكثار منه، فقال الله تعالى: “يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ ذِكْرًۭا كَثِيرًۭا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةًۭ وَأَصِيلًا (٤٢)” (سورة الأحزاب، الآية 41 – 42)، حيث لا هناك شيء أنفع في جلاء القلوب، وصقل الأرواح من كثرة ذكر الله، كما أن الله وعد المكثرين والمكثرات من ذكره بالمغفرة، وحسن المثوبة، فالله سبحانه وتعالى قال: “وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” (سورة الأحزاب، الآية 35).
كيفية الوصول لمرتبة الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات:ُ
سُئل ابن الصلاح عن القدر الذي يصير به العبد من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، فقال: إذا واظب على الأذكار المأثورة صباحًا ومساءً، وفي الأوقات والأحوال المختلفة ليلًا ونهارًا؛ كان من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات.
كذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن: “مَنِ اسْتَيْقَظَ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ” (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على حضور مجالس الذكر التي يُذكر فيها كلام الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأخبار السلف الصالحين، فقال صلى الله عليه وسلم: “إذا مررتم برياضِ الجنةِ فارتعوا”، قيل : يا رسولَ اللهِ وما هي رياضُ الجنةِ؟ قال : “حلَقُ الذكرِ” (رواه الترمذي)، وذلك لما لها من أثر في تجديد الإيمان، والحث على الازدياد من الخيرات، والتذكير بالآخرة،وتنزل الرحمات، إلى غير ذلك من الفضائل التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم.
جوانب تطبيقية من حديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم
- الإكثار من ذكر الله، وإن لم يكن القلب حاضرًا في البداية، فقد كان ابن عطاء يقول: لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه؛ لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره؛ فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، وما ذلك على الله بعزيز، فيمكنك أن تواظب على ذكر: “سبحان الله وبحمده” مائة مرة؛ لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَن قَالَ: سُبحَانَ اللهِ وبحمدِه مائةَ مرةٍ غُفرَتْ له ذنوبُه وإنْ كانتْ مثلَ زبَدِ البحرِ ” (رواه مسلم)، وزبد البحر هو رغوته وما يطفو على وجهه، وهي كناية عن الكثرة المفرطة.
- المحافظة على أذكار الصباح، وأذكار المساء المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- حفظ الأذكار الخاصة بالمناسبات المختلفة؛ كالنوم والاستيقاظ، والسفر ولبس الجديد، والدخول والخروج من المنزل… إلخ، وذلك باقتناء كُتيب، أو تطبيق على الهاتف يحتوي على هذه الأذكار وغيرها.
- مجاهدة النفس على حضور القلب في أثناء الذكر؛ ليتحقق الأثر المرجو من الذكر، وهو الرقي الدائم على طريق الاستقامة والهداية.
لماذا كان ذكر الله أفضل من الجهاد والصدقة؟
ذكر الله أفضل من الجهاد والصدقة؛ لأن الذكر عبادة مستمرة، فالصدقة تحتاج إلى مال، والجهاد يحتاج إلى قوة وسلاح، لكن ذكر الله لا يحتاج إلا إلى لسان وقلب حاضر، فيمكن للإنسان أن يذكر الله في كل وقت وحين، كما أن الذكر يُحسِّن جميع الأعمال، فكل عمل يقوم به العبد، إذا صاحَبَه ذكر الله، زاد أجره وبركته، ويُعد الذكر سبب للحياة القلبية، فكما أن الماء ضروري لحياة الجسد، فالذكر ضروري لحياة القلب، قال الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (سورة الرعد، الآية 28).
أنواع ذكر الله
ذكر الله يشمل:
- التسبيح: “سبحان الله”.
- التحميد: “الحمد لله”.
- التهليل: “لا إله إلا الله”.
- التكبير: “الله أكبر”.
- الاستغفار: “أستغفر الله”.
- الصلاة على النبي: “اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد”.
- قراءة القرآن: فهو من أعظم الأذكار.
الدروس المستفادة من حديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم
1️⃣ ذكر الله أفضل الأعمال وأزكاها عند الله، فهو أعظم العبادات، حيث فضَّله النبي ﷺ على الجهاد والصدقة، ويدل ذلك على مكانته الكبيرة في الإسلام.
2️⃣ الذكر سبب لرفع الدرجات في الجنة، فالأعمال تتفاوت في الأجر، لكن الذكر يرفع العبد إلى أعلى الدرجات عند الله، لأنه يعكس قوة الصلة بالله واستمرارها.
3️⃣ الذكر أفضل من الصدقة والجهاد، على الرغم من أن الصدقة والجهاد من أعظم القربات، إلا أن الذكر يتفوق عليهما لأنه لا يحتاج إلى جهد أو مال، ويمكن ممارسته في كل وقت.
4️⃣ الذكر حياة للقلب وطمأنينة للنفس، فالقلوب التي تبتعد عن الذكر تمرض وتقسو، بينما القلوب العامرة بذكر الله تكون حية ومطمئنة، كما قال تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (سورة الرعد: 28).
5️⃣ الذكر سلاح ضد الشيطان والحزن، فالشيطان يسعى لإبعاد العبد عن الله، ولكن الذاكر دائمًا في حصن منيع، كما قال النبي ﷺ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُهُ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» (البخاري 6407).
6️⃣ الذكر عبادة سهلة وعظيمة الأجر، فالصدقة تحتاج مالًا، والجهاد يحتاج قوة، أما ذكر الله لا يتطلب جهدًا، بل يستطيع العبد ممارسته في كل الأحوال قيامًا، وقعودًا، وعلى جنبه.
7️⃣ الذكر يُصلح جميع الأعمال الأخرى، فالذكر يجعل الصلاة أخشع، والصدقة أخلص، والجهاد أثبت، فهو الوقود الروحي الذي يحرك العبادات كلها.
8️⃣ الذكر أساس للعبادات الأخرى، فالصلاة ذكر، الدعاء ذكر، قراءة القرآن ذكر، والاستغفار ذكر، ويعني ذلك أن كل العبادات قائمة على الذكر.
في الختام، نجد أن حديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم...يُرشدنا إلى كنزٍ عظيم وهو ذكر الله تعالى، فهو عبادة سهلة لا تحتاج إلى جهد، لكنها ترفع العبد في الدنيا والآخرة، وتجعله من الذاكرين الذين قال الله فيهم: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ (سورة البقرة، الآية 152)، فلنحرص على دوام الذكر، وليكن شعارنا في الحياة: “لا يزال لساني رطبًا بذكر الله”، فاللهم اجعلنا من الذاكرين لك كثيرًا، والشاكرين لنعمك، والمستغفرين في كل حين.
المصدر