إعرف دينكمواضيع تعبير دينية

شرح مبسط لحديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه… الأربعين النووية 9

شرح حديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه والدروس المستفادة منه

شرح مبسط لحديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه… الأربعين النووية 9

من أعظم ما يتميز به الإسلام هو الوضوح والرحمة في التشريع، فقد جمع الدين بين الجزم في التحريم واليسر في الأوامر، ومن الأحاديث الجامعة التي توضح هذه السمة حديث عظيم يعد قاعدة من قواعد الدين، وهو حديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وهو الحديث التاسع من الأربعين النووية.
سنقدم في هذا المقال شرحًا مبسط لهذا الحديث النبوي الشريف، مع بيان معناه، وأهم الدروس المستفادة منه، وأثره العميق في حياة المسلم اليومية.

نص حديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْه فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِه فَافْعَلُوا مِنه مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّما أَهْلَكَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ، كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ علَى أَنْبِيَائِهِمْ” (رواه البخاري ومسلم).

تخريج الحديث:

رواه البخاري في صحيحه (7288).

ورواه مسلم في صحيحه (1337).

شرح مبسط لحديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه... الأربعين النووية 9
حديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه

شرح مفردات حديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه

“مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْه فَاجْتَنِبُو” أي ابتعدوا تمامًا عما نهيتكم عنه، اجتنابًا كاملاً بلا تردد ولا تسويف.

“وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِه فَافْعَلُوا مِنه مَا اسْتَطَعْتُمْ” أي التزموا بالأوامر قدر طاقتكم، فإن عجزتم عن الإتيان بها كاملةً، أتيتم بما تستطيعونه منها.

“فَإِنَّما أَهْلَكَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ، كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ” أي كان سبب هلاك الأمم السابقة هو كثرة سؤالهم لأنبيائهم عن أمور لا حاجة لهم بها.

“وَاخْتِلَافُهُمْ علَى أَنْبِيَائِهِمْ” أي مخالفتهم لأنبيائهم وعصيانهم لأوامر الله عز وجل.

المعنى الإجمالي للحديث

يبين النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة، وهي أن النهي في الشريعة يجب اجتنابه كليًا بلا استثناء، أما الأوامر فتراعى فيها الطاقة والاستطاعة، ثم يحذر النبي من كثرة الأسئلة التي لا تعود بالنفع، ومن مخالفة الأنبياء، لما في ذلك من الهلاك.

شرح حديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه

عندما ينهى الله تعالى أو ينهى النبي ﷺ عن شيء، فالأصل أن المسلم يجب عليه الاجتناب الكامل، فالنهي يشير إلى التحريم القطعي، وليس الأمر فيه خيار أو تخفيف، فعندما نهى الله عن شرب الخمر، فلا يجوز للمسلم أن يشرب ولو قطرة، ولا أن يقارب مجالس الخمر، لأن الاجتناب شامل وكامل.

يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (سورة المائدة، الآية 90) نجد أن الله سبحانه وتعالى قال: “فَاجْتَنِبُوهُ”، ولم يقل “لا تشربوه فقط”، بل اجتنبوا الخمر بجميع أشكال التعامل معه، فكل نهي في الشريعة يساوي ترك كامل بدون بحث عن تأويلات أو تساهل.

في المقابل عندما يأمر الله عز وجل أو يأمر النبي ﷺ بشيء، فإن أداء الأمر مرتبط بالاستطاعة، فلو عجز العبد عن تنفيذ الأمر كاملًا، فعليه أن يؤدي منه ما يستطيع، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فالله تعالى يقول: “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ” (سورة البقرة،الآية 286)، فمن كان لا يستطيع أن يصلي قائمًا صلى جالسًا، ومن لم يستطع الصوم لعذر شرعي، أفطر وقضى أو كفر حسب حاله، وذلك يدل على أن الشريعة تراعي اليسر والرحمة مع الإنسان، ولا تطلب منه فوق طاقته.

كان من عادات بني إسرائيل أنهم أكثروا من الأسئلة على أنبيائهم، حتى تشددت عليهم الشريعة عقوبة لهم، كما في قوله تعالى: “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ” (سورة البقرة، الآيات 67-73)، فنجد أنهم شددوا في السؤال وأكثروا منه فشدد الله عليهم.

لذلك نهى النبي ﷺ عن كثرة السؤال بغير حاجة، لأن كثرة السؤال تقود إلى التشدد، والتشدد يقود إلى الهلاك.

الدروس المستفادة من حديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه

  • بيان رحمة الله بالتخفيف عن عباده في الأوامر.

  • وجوب الالتزام الكامل بترك المنهيات.

  • أهمية الاقتصاد في السؤال وعدم التنطع في الدين.

  • أن الهلاك يأتي من التشدد ومخالفة الأنبياء.

  • الشريعة قائمة على اليسر، لا على التعسير.

  • ضرورة العمل بالإمكانات المتوفرة دون تحميل النفس فوق طاقتها.

  • التحذير من كثرة المسائل التي قد تفتح أبواب التضييق على الأمة.

  • تعظيم مكانة الأوامر والنواهي النبوية، والتسليم لها.

أثر حديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه في حياة المسلم

  • يُعلم المسلم أن الله لا يكلفه إلا بما يقدر عليه، فلا يحزن إذا عجز عن بعض الطاعات.
  • يغرس الحديث في المسلم عظمة الابتعاد عن الحرام، ويدفعه للاجتهاد في تجنب كل ما نهى الله ورسوله عنه.
  • يدرك المسلم أن الشريعة مرنة فيما يتعلق بالأوامر لكنها حازمة في النواهي، مما يجعله أكثر اعتدالًا ووعيًا بدينه.
  • يُعلم الداعية أن يراعي حال الناس، ويأمرهم بما يطيقون، ولا يكلفهم فوق طاقتهم.
  • يُعلم المسلم أن يسير إلى الله بثبات دون غلو أو تقصير، فيجمع بين الامتثال والاجتناب مع الاعتدال في التطبيق.
  • يجعل المسلم يجتنب الكبائر والصغائر والمجاهرة بالمعاصي.

مقارنة بين النهي والأمر في حديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه

           النهي                الأمر
     موقف المسلم  اجتناب كامل مع تحريم فعله    تنفيذ حسب الاستطاعة
    موقف الشريعة  لا تخفيف في ترك المحرمات مراعاة طاقة العبد في أداء الواجبات
      الأثر العملي حماية النفس من الوقوع في المهالك تحفيز على العمل دون مشقة زائدة

كيف يطبق المسلم حديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه في حياته اليومية؟

  • ترك كل محرم بوضوح، دون تأويل أو تحايل.

  • الاجتهاد في أداء الطاعات بقدر الطاقة.

  • عدم الغلو في التشدد، وعدم التفريط في الواجبات.

  • التوسط في الدين، كما أمر الله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ (سورة البقرة، الآية 143).

في الختام، حديث ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم يلخص جوهر الشريعة الحزم في المحرمات، والرحمة في الأوامر، فهو يرشد المسلم إلى ترك المعاصي تمامًا، والسعي إلى الطاعات بجهده وقدرته دون أن يحمل نفسه فوق طاقتها، ويؤكد أن سبب هلاك الأمم السابقة كان بسبب كثرة الجدل والأسئلة ومخالفة أوامر الله، فحري بالمسلم أن يتخذ هذا الحديث منهجًا لحياته كلها، ليعبد الله بحق، ويسلم من الانحراف أو التشدد، ونسأل الله أن يرزقنا فهم هذا الحديث والعمل به ظاهرًا وباطنًا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock