فضل العشر الأواخر من رمضان وأهم 3 منها
تعرف على فضل العشر الأواخر من رمضان وخير ليلة فيها
فضل العشر الأواخر من رمضان، حين يقترب شهر رمضان من نهايته تتجلَّى أعظم أيامه، وتُفتح أبواب المغفرة والرحمة والعتق من النار بأوسعها، إنها العشر الأواخر، الليالي التي اختصَّها الله بفضائل لا توجد في غيرها، وفيها ليلة القدر التي تفوق عبادتها أكثر من 83 عامًا.
فهذه الليالي يُقبل فيه أهل الطاعة على الله، وتُعتق فيه الرقاب، وتُمحى الذنوب، وتُرفع الدرجات، وتُستجاب الدعوات، فما هو فضلها الحقيقي؟ وكيف كان النبي ﷺ يغتنمها؟ وما هي أفضل العبادات فيها؟، هذا ما سنتعرف عليه في مقالنا اليوم، فتابعوا القراءة.
فضل العشر الأواخر من رمضان
أعظم ليالي العام
العشر الأواخر من رمضان لا تُعد مجرد ختام لشهر الصيام، بل هي القمة الروحية التي يتنافس فيها المتنافسون، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي ﷺ: “إِذا دَخَلَ العَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رمَضَانَ، أَحْيا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَه، وجَدَّ وَشَدَّ المِئزرَ”، والعشر الأواخر هي أكثر الليالي التي يعتق فيها الله عباده، ويُضاعف فيها الأجور، فهي أفضل أيام رمضان على الإطلاق.
نزول القرآن في هذه الليالي المباركة
من أعظم الفضائل التي ميَّزت هذه الأيام أنها شهدت نزول كلام الله إلى الأرض، حيث قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (سورة القدر، الآية 1)، وهذا الحدث العظيم يجعلها أيامًا استثنائية، لأن الله قد اختارها لتكون مفتاح هداية البشرية إلى يوم الدين.
وجود ليلة القدر فيها أعظم ليالي الدنيا
من بين هذه العشر أكرم الله عباده بليلة هي خيرٌ من ألف شهر، أي أن عبادتها تفوق 30 ألف ليلة، فقال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (سورة القدر، الآية 3)، وقد أخبر النبي ﷺ أن من قام هذه الليلة إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه (رواه البخاري ومسلم)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “تَحرّوْا لَيْلةَ القَدْرِ في الوتْرِ مِنَ العَشْرِ الأَواخِرِ منْ رمَضَانَ” (رواهُ البخاريُّ).
اجتهاد النبي ﷺ في العشر الأواخر من رمضان
كانت هذه الأيام ذات شأن عظيم عند النبي ﷺ، فقد روَت السيدة عائشة رضي الله عنها: “كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله” (رواه البخاري ومسلم)، و”شد مئزره” تعني الاجتهاد في العبادة وترك الانشغال بأمور الدنيا، فكان يُحيي الليل بالصلاة والدعاء، ويُوقظ أهله ليشاركوه في هذه النفحات العظيمة.
كما كان النبي ﷺ يحرص على الاعتكاف في المسجد طيلة العشر الأواخر، كما قالت عائشة رضي الله عنها: “كان النبي ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده” (متفق عليه)، والاعتكاف هو تفرغ كامل للعبادة، يعزل العبد عن مشاغل الحياة، ليكون في خلوة روحية مع الله.
حال الصحابة في العشر الأواخر من رمضان
عندما نتأمل في حال الصحابة رضي الله عنهم في العشر الأواخر من رمضان، نجد أنهم كانوا يعيشون هذه الأيام بقلوبٍ مشتعلة بالإيمان، ونفوسٍ متعلقة بالآخرة، وأجسادٍ منهكة من الطاعة، فلقد أدركوا قيمة هذه الليالي العظيمة، فكانوا يضاعفون فيها الجهد، ويتنافسون في القرب من الله، وكأنهم يرون الجنة رأي العين.
اجتهادهم في قيام الليل
كان الصحابة في هذه الليالي المباركة يطيلون القيام حتى تتورم أقدامهم، مقتدين برسول الله ﷺ الذي كان يحيي الليل كاملاً في العشر الأواخر، فتراهم يحيون الليل بالصلاة والدعاء، ويبكون بين يدي الله، طمعًا في الرحمة والمغفرة.
كان ابن عمر رضي الله عنه يقوم الليل في العشر كلها، ولا ينام إلا قليلاً، ويقول:
“كيف ينام من يخشى أن تُكتب عليه النار؟”، وأبو هريرة رضي الله عنه كان يقسم الليل بينه وبين أهله في العبادة، فيقوم جزءًا ويوقظ زوجته، ثم تقوم زوجته وتوقظ ابنها، ثم يقوم الابن وهكذا، حتى لا تضيع لحظة واحدة من هذه الليالي المباركة، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: “عجبًا لمن عرف أن الجنة تُزين في رمضان ثم ينام!”
اجتهادهم في قراءة القرآن
كان الصحابة يقضون ساعات طويلة مع القرآن في هذه الليالي، فهو شهر القرآن، وكانوا يبكون عند تلاوته ويتدبرون معانيه، ومنهم عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يختم القرآن كاملاً في ليلة واحدة في العشر الأواخر! وكان يقول: “لو طهرت قلوبنا، لما شبعت من كلام الله”، والإمام الشافعي رحمه الله سار على نهج الصحابة، وكان يختم القرآن 60 مرة في رمضان، أي مرتين يوميًا،
اجتهادهم في الدعاء والتضرع
كان الصحابة يعلمون أن الدعاء في هذه الليالي مستجاب، خاصة في ليلة القدر، فكانوا يدعون الله بخشوع وانكسار يبكون، ويطلبون العفو والرحمة، فعائشة رضي الله عنها سألت النبي ﷺ: “يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر، ماذا أقول؟”، فقال ﷺ: “قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني” (رواه الترمذي)، وكان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا دخلت العشر الأواخر، يجلس في المسجد ويدعو: “اللهم اعتق رقابنا من النار، اللهم اجعلنا من المقبولين، اللهم لا تحرمنا من رحمتك”، وكان الحسن البصري رحمه الله يقول:
“ابكِ في العشر الأواخر، فإن لم تقدر على البكاء، فتباك! فما كان عبد يبكي في رمضان إلا فاز بالرحمة”.
حرصهم على الاعتكاف في المسجد
كان الصحابة يحبون الاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر، اقتداءً بالنبي ﷺ الذي اعتكف في العشر الأواخر طوال حياته، حتى أنه في العام الذي توفي فيه، اعتكف 20 يومًا (رواه البخاري)، وابن عمر رضي الله عنه كان لا يخرج من المسجد في العشر الأواخر، حتى لقبه الصحابة بـ “ضيف المسجد”، وعن أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
“من اعتكف يومًا في سبيل الله، جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق، كل خندق أبعد مما بين السماء والأرض”، فالاعتكاف يجعل القلب متفرغًا للعبادة، بعيدًا عن الدنيا، فيعيش المعتكف روحانيات عظيمة لا يشعر بها إلا من جربها.
اجتهادهم في الصدقة والإنفاق
كان الصحابة يعلمون أن الصدقة في رمضان مضاعفة، فما بالك في العشر الأواخر؟ فكانوا يتنافسون في الإنفاق على الفقراء والمحتاجين، فنجد عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان لا يأكل في رمضان إلا ومعه يتيم أو فقير، وكان يقول: “والله لا أكلت وحدي والمسلمون جياع”، وعائشة رضي الله عنها كانت تُخرج الصدقات سرًا وعلنًا، وكانت تقول: “ما علمتُ ليلة القدر، إلا وأخرجتُ فيها صدقة”، وتصدق أبو بكر الصديق رضي الله عنه بكل ماله في العشر الأواخر، فلما سأله النبي ﷺ: “ماذا تركت لأهلك؟” قال: “تركت لهم الله ورسوله”
خوفهم من التقصير بعد رمضان
كان الصحابة رغم اجتهادهم، يخافون أن يكون عملهم غير مقبول، فكانوا يبكون عند نهاية رمضان، فكان ابن مسعود رضي الله عنه يبكي في آخر ليلة من رمضان، ويقول: “وَيْح من ضيع هذه الليالي، وويل لمن لم يُغفر له في هذا الشهر”، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة، لكان أحب إليَّ من الدنيا وما فيها”.
حين ننظر إلى اجتهاد الصحابة في العشر الأواخر نشعر بالخجل من أنفسنا، فلقد كانوا رجالًا عرفوا قيمة الزمن، فلم يضيعوا لحظة واحدة، بينما نحن نضيع ساعات أمام الهواتف والتلفاز، والسؤال الحقيقي هو: هل سنجتهد مثلهم هذا العام؟، فلا تنتظر حتى تضيع الليالي، ابدأ اليوم، فربما تكون هذه آخر عشر أواخر في حياتك.
كيف نغتنم العشر الأواخر؟
قيام الليل
سر القرب من الله هو قيام الليل، ففي هذه الليالي ينبغي للمسلم أن يكون من القائمين، فقيام الليل من أعظم العبادات، وقال النبي ﷺ: “أفضل الصلاة بعد الفريضة، قيام الليل” (رواه مسلم)، ولا يقتصر القيام على التراويح، بل يشمل صلاة التهجد، وتطويل السجود والركوع، والاستغفار بين التسليمات.
الإكثار من الدعاء والاستغفار
أمرنا النبي ﷺ بالدعاء في هذه الليالي، خاصة بدعاء السيدة عائشة: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني” (رواه الترمذي)، فالعتق من النار يتحقق بكثرة الدعاء، والإلحاح على الله بالعفو والمغفرة.
ختم القرآن والتدبر فيه
رمضان هو شهر القرآن، وفي العشر الأواخر ينبغي على المسلم أن يكثف قراءته، ويحاول ختمه إن استطاع، فإن لم يستطع فليجعل له وردًا ثابتًا يتدبره.
الصدقة
الصدقة تجارة رابحة مع الله عز وجل، فكان النبي ﷺ “أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان” (رواه البخاري)، والصدقة في هذه الأيام تتضاعف، وقد تكون هي سبب العتق من النار.
الاعتكاف ولو لساعات قليلة
حتى لو لم يستطع المسلم الاعتكاف الكامل، فليجعل لنفسه ساعات من العزلة مع الله يترك الدنيا، وينشغل بذكره وعبادته.
لماذا اختص الله العشر الأواخر بكل هذا الفضل؟
قد يتساءل البعض: لماذا هذه العشر الأواخر تحديدًا لها هذا الشرف العظيم؟ هناك عدة أسباب:
- هذه الأيام تجمع بين الصيام، والقيام، والدعاء، والتهجد، والاعتكاف، وليلة القدر، ومضاعفة الحسنات، أي أنها موسم شامل لكل أنواع الطاعات.
-
لأن الله أراد أن يمنحنا فرصة أخيرة، فقد يكون العبد قد قصَّر في بداية رمضان، فجاءت هذه الأيام ليعوض فيها ما فاته، وكأن الله يختم الشهر بأعظم النفحات لمن أراد العودة إليه بصدق.
كيف نهيئ أنفسنا للعشر الأواخر؟
لا ينبغي أن ندخل هذه الليالي فجأة دون استعداد، بل يجب أن نخطط لها مسبقًا، ومن أهم الوسائل لذلك:
- تهيئة القلب بالإخلاص، فقبل أن تبدأ العشر الأواخر، جدد نيتك، وقل لنفسك: “هذه فرصتي الأخيرة، لن أضيعها”.
- تحديد جدول للعبادات، فضع لنفسك برنامجًا متوازنًا يشمل:
✅ قراءة القرآن (حاول ختمه أو قراءة أكبر قدر منه).
✅ قيام الليل (ابدأ ولو بركعتين، ثم زد تدريجيًا).
✅ الاستغفار والدعاء (خصص أوقاتًا محددة بعد الصلاة للدعاء).
✅ الصدقة (ولو بالقليل كل ليلة، فقد تصادف ليلة القدر).
✅ الاعتكاف (ولو لساعات يوميًا في المسجد أو في ركن هادئ بالبيت).
- تخلص من كل الملهيات، وقلِّل استخدام الهاتف والتلفاز، وابتعد عن مواقع التواصل الاجتماعي إلا فيما يفيد، وأنهِ كل تجهيزات العيد قبل العشر الأواخر حتى لا تُضيع هذه الأيام الثمينة.
ماذا بعد العشر الأواخر؟
كثيرون يجتهدون في رمضان، ثم يعودون إلى التهاون بعده، وكأن العبادة كانت مرتبطة فقط بالشهر الفضيل، لكن المؤمن الصادق يجعل رمضان محطة تغيير حقيقية، ومن علامات القبول:
✔ أن تستمر في طاعة الله بعد رمضان.
✔ أن يظل قلبك معلقًا بالعبادة حتى بعد انتهاء الشهر.
✔ أن تستمر في القيام، ولو بركعتين فقط كل ليلة.
✔ أن تحافظ على تلاوة القرآن، ولو بورد بسيط يوميًا.
✔ أن تبتعد عن المعاصي التي تركتها في رمضان.
في الختام، بعد أن قدمنا فضل العشر الأواخر من رمضان وكيفية إغتنامها، وكيف نهيء أنفسنا استعدادًا لها، نجد أن العاقل من يستثمر هذه الأيام كأنها آخر رمضان في حياته، فهي فرصة العمر للنجاة، فلا أحد يضمن إن كان سيعيش لرمضان آخر أم لا، فابدأ اليوم، ولا تنتظر، وضع خطتك من الآن، وعاهد الله أن تجتهد، فربما تكون هذه الأيام سببًا لدخولك الجنة، فاللهم بلِّغنا العشر الأواخر، وأعنَّا فيها على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واغفر لنا ذنوبنا، واعتق رقابنا من النار.
المصدر
تعليق واحد