قصص الصحابة

في رحاب سيرة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها

تعرف على سيرة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها

في رحاب سيرة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها

السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها اسمٌ يُختزل فيه الطهر والرفعة والمكانة العظيمة، فهي بنت رسول الله ﷺ، وزوج الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، فكانت حياتها صفحة مشرقة من الإيمان والصبر والجهاد، وتركت بصمة لا تمحى في تاريخ الإسلام، وكانت قدوة للنساء عبر الأزمان.

يقول النبي ﷺ عنها: “فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني” (رواه البخاري ومسلم)، سنتناول في هذا المقال سيرتها المباركة بشكل موسع، ونستخرج منها دروسًا عملية تلهمنا في حياتنا.

في رحاب سيرة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها
السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها

مولد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها ونسبها المبارك

ولدت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها في مكة المكرمة قبل البعثة النبوية بخمس سنوات، وكان ذلك في العام الذي جُدد فيه بناء الكعبة، ووالدها هو محمد بن عبد الله ﷺ أشرف الخلق وأعظمهم مكانة عند الله، ووالدتها هي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، أولى أمهات المؤمنين وأعظم نساء الإسلام.

كانت السيدة فاطمة الزهراء أقرب أبناء النبي ﷺ إلى قلبه، إذ لم يكن لها إخوة من الذكور عاشوا بعد الطفولة، وعاشت في كنف النبوة، لكنها لم تعش حياة الترف، بل تحملت منذ صغرها معاناة المسلمين في الدعوة إلى الله.

طفولة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها ونشأتها في بيت النبوة

نشأت فاطمة رضي الله عنها في بيت النبوة في بيئة قائمة على التوحيد والطهر والزهد، لكنها لم تكن طفولة مريحة، فقد عايشت حصار المسلمين في شعب أبي طالب، وكانت ترى بعينيها تعذيب قريش للمسلمين واضطهادهم لأبيها، ومن المواقف التي سجلها التاريخ حين رأت المشركين يلقون القاذورات على النبي ﷺ وهو يصلي عند الكعبة، فأسرعت بنفسها وهي طفلة صغيرة لتنظفه وتبكي، لكن النبي ﷺ قال لها: “لا تبكي يا بُنيّة، فإن الله مانعٌ أباكِ”، فمنذ طفولتها نشأت فاطمة على الصبر والتضحية، فلم تكن تعيش كالأطفال الآخرين، بل كانت تحمل هم الدعوة منذ صغرها.

مكانتها عند النبي ﷺ

كان النبي ﷺ يحبها حبًا عظيمًا، ويجلَّها إجلالًا خاصًا، حتى أنه كان إذا دخلت عليه قام لها، وقبَّلها، وأجلسها في مكانه، وكان يقول عنها: “فاطمة سيدة نساء أهل الجنة” (رواه الترمذي)، وكانت أول أهل بيته وفاةً بعده كما أخبرها قبل وفاته، فلم تمكث بعده إلا ستة أشهر، وانتقلت بجوار أبيها أشرف الخلق ﷺ.

هجرة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها

عندما هاجر النبي ﷺ من مكة إلى المدينة كانت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها لا تزال شابة صغيرة تعيش مع والدها في مكة، وعند اشتداد أذى قريش للمسلمين أمر النبي ﷺ أصحابه بالهجرة إلى المدينة، لكنه بقي في مكة مع بعض أهله حتى أذن الله له بالهجرة.

بعد هجرة النبي ﷺ بقيت فاطمة رضي الله عنها في مكة مع أختها أم كلثوم، تحت رعاية أسماء بنت أبي بكر وأم المؤمنين سودة بنت زمعة، وبعد أن استقر النبي ﷺ في المدينة أرسل الصحابي زيد بن حارثة وأحد الأنصار لإحضار فاطمة، وأم كلثوم، وسودة بنت زمعة، وأم أيمن وابنها أسامة، وكانت الرحلة صعبة وخطيرة، حيث كانت قريش تلاحق المهاجرين وتحاول منعهم من الوصول إلى المدينة.

بعد الرحلة الشاقة وصلت فاطمة رضي الله عنها إلى المدينة، حيث استقبلها النبي ﷺ بحرارة وسعادة، وعاشت في بيت النبي ﷺ بالمدينة، حيث ازداد قربها من والدها، وشهدت بناء المجتمع الإسلامي الجديد.

زواج السيدة فاطمة الزهراء من علي ابن أبي طالب رضي الله عنه

عندما بلغت السيدة فاطمة سن الزواج تقدم لخطبتها عدد من الصحابة، لكنها لم تتزوج إلا رجلًا واحدًا كان كفؤًا لها في الإيمان والجهاد، وهو ابن عم النبي ﷺ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان مهرها درعًا حطامية باعها علي رضي الله عنه بأربعمائة درهم، وكان زواجهما بسيطًا لكنه مبارك.

لم يكن بيتها بيت ملوك أو أثرياء، بل كان بيتًا متواضعًا قائمًا على الحب والتقوى والتعاون، فقد كانت تقوم بأعمال البيت بيدها، حتى أثر ذلك على يديها، وحين طلبت من النبي ﷺ خادمًا، قال لها: “ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ تسبحان الله ثلاثًا وثلاثين، وتحمدانه ثلاثًا وثلاثين، وتكبرانه أربعًا وثلاثين عند النوم، فهو خير لكما من خادم” (رواه البخاري ومسلم).

أبناء السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها

كان لللسيدة فاطمة الزهراء ثلاث أبناء من الذكور، وهم الإبن الأكبر الحسن بن علي رضي الله عنه الذي وُلِد عام 3 هـ، وكان يشبه النبي ﷺ في ملامحه وأخلاقه، وكان زاهدًا كريمًا، وحكيمًا متسامحًا، حتى أنه تنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه حقنًا لدماء المسلمين، فيما سُمي بعام الجماعة، وقال عنه النبي ﷺ: “اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُ فأحِبَّهُ” (رواه البخاري).

أما الإبن الثاني هو الحسين بن علي رضي الله عنه، ووُلِد عام 4 هـ، وكان شجاعًا وعابدًا وزاهدًا، واستشهد في كربلاء عام 61 هـ، وكان مقتله حادثة مؤلمة في تاريخ المسلمين، وقال النبي ﷺ عنه وعن الحسن: “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة” (رواه الترمذي)، وكان الحسن رمزًا للحكمة والسياسة، وكان الحسين رمزًا للشجاعة والتضحية، وكلاهما كان قدوة للمسلمين في التقوى والصبر.

والإبن الثالث هو المحسن بن علي رضي الله عنه، والذي توفي صغيرًا، وهناك خلاف بين المؤرخين حول ملابسات وفاته.

كما أنجبت السيدة فاطمة الزهراء اثنان من البنات وهما: زينب رضي الله عنها، وكانت خطيبة بليغة، وقوية الشخصية، كما لعبت دورًا مهمًا بعد استشهاد أخيها الحسين في كربلاء، حيث واجهت يزيد بخطابها الشهير، وتُوفيت بعد حادثة كربلاء بفترة، والثانية أم كلثوم رضي الله عنها التي تزوجت من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت مثالًا للعفة والحكمة، ولا توجد تفاصيل كثيرة عن وفاتها.

ألقاب السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها

السيدة فاطمة رضي الله عنها لها عدة ألقاب تدل على مكانتها العظيمة في الإسلام، وكل لقب منها يعكس جانبًا من فضائلها وخصالها المباركة، ومن أشهر ألقابها:

الزهراء 

فاطمة الزهراء من أشهر ألقابها، ويعني “المشرقة” أو “المضيئة”، وسُمِّيت به لأنها كانت طاهرة نقية، يشع وجهها نورًا وإيمانًا.

البتول 

سميت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها بالبتول، لأنها منقطعة عن الدنيا ومتفرغة لعبادة الله، وهذا الإسم يدل على زهدها وورعها، فقد كانت لا تهتم بزينتها مثل نساء الدنيا، بل جعلت قلبها وروحها لله.

الحانية 

الحانية كان من ألقاب السيدة فاطمة رضي الله عنها، ولُقبت به لأنها كانت تحن على أبيها النبي ﷺ وترعاه بعد وفاة أمها خديجة رضي الله عنها، وكانت أقرب الناس إلى قلبه، تخفف عنه متاعب الدعوة وتواسيه في الشدائد.

الصديقة

وهو لقب يدل على صدقها في الإيمان والطاعة، فلم يُعرف عنها كذب قط، وكانت مثالًا للمرأة الصادقة في القول والعمل.

المرضية 

لأنها كانت راضية بقضاء الله، وصابرة على البلاء، وأن الله سيرضيها، فهي لم تتذمر من الحياة الصعبة التي عاشتها في بيت علي رضي الله عنه، وكانت قنوعة وزاهدة.

الطاهرة 

لأن الله طهرها من كل رجس، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (سورة الأحزاب، الآية 33)، وكانت معروفة بالطهارة في قلبها وسلوكها ولباسها.

أم أبيها 

من أحب الألقاب إلى قلب النبي ﷺ، وسميت به لأنها كانت تعامل النبي ﷺ بحنانٍ شديد وكأنها أمه، ترعاه وتخدمه وتواسيه في حزنه وهمومه.

فضائل السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها

السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها لها مكانة عظيمة في الإسلام، فقد كانت أحب بنات النبي ﷺ إليه، وسيدة نساء أهل الجنة، وقد وردت فضائلها في العديد من الأحاديث النبوية الصحيحة، وفيما يلي بعض من فضائلها العظيمة:

سيدة نساء أهل الجنة 

قال النبي ﷺ:”فاطمة سيدة نساء أهل الجنة” (رواه البخاري ومسلم)، وذلك يدل على رفعتها عند الله، وأنها من أفضل النساء على الإطلاق.

أحب الناس إلى النبي ﷺ 

كان النبي ﷺ يحب فاطمة حبًا شديدًا، حتى أنه قال: “فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني” (رواه البخاري ومسلم)، ويدل ذلك على مكانتها العظيمة في قلب النبي ﷺ، وأن رضاها من رضا رسول الله ﷺ.

من أهل الكساء والمطهَّرين

ورد في الحديث أن النبي ﷺ جمع عليًّا وفاطمة والحسن والحسين تحت كسائه وقال: “اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا” (رواه مسلم)، وذلك يدل على طهارتها وعصمتها من الذنوب، ومكانتها في أهل البيت الذين خصهم الله بالفضل.

شبيهة النبي ﷺ في أخلاقه وكلامه

قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “ما رأيت أحدًا كان أشبه كلامًا وحديثًا برسول الله ﷺ من فاطمة” (رواه الترمذي)، وذلك يدل على مدى قربها من والدها وتشابهها معه في أخلاقه وسلوكه.

أول من يلحق بالنبي ﷺ بعد وفاته 

لما مرض النبي ﷺ أسرَّ إليها خبرًا فبكت، ثم أسرَّ إليها خبرًا آخر فضحكت، فلما سُئلت عن ذلك بعد وفاته ﷺ قالت: “أخبرني أنه يموت، فبكيت، ثم أخبرني أني أول أهله لحوقًا به، فضحكت” (رواه البخاري)، وبالفعل توفيت بعد النبي ﷺ بستة أشهر فقط، مما يدل على حبها الشديد له وشوقها للقائه.

 صابرة وزاهدة في الدنيا 

كانت تعيش حياة بسيطة جدًا، وتعاني من شدة الفقر، لكنها كانت صابرة راضية، وعندما طلبت من النبي ﷺ خادمًا يساعدها، قال لها: “يا فاطمة، ألا أدلك على ما هو خير لك من خادم؟ تسبحين الله ثلاثًا وثلاثين، وتحمدينه ثلاثًا وثلاثين، وتكبرينه أربعًا وثلاثين عند نومك” (رواه البخاري)،فكانت قنوعة لا تشكو، بل تعتمد على الله في كل شيء.

ذريتها هم آل البيت الطاهرون 

من نسلها جاء الإمامان الحسن والحسين، ومنهما استمر نسل النبي ﷺ، وقال النبي ﷺ عنهما: “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة” (رواه الترمذي)، وذلك يدل على بركة نسلها، وأن ذريتها هم من أهل البيت الذين أوصى النبي ﷺ بحبهم واحترامهم.

وفاتها ولقاؤها بوالدها ﷺ

لم تعش السيدة فاطمة رضي الله عنها طويلًا بعد وفاة النبي ﷺ، إذ أصابها الحزن والمرض حتى لحقت به بعد ستة أشهر فقط، وقبل وفاتها اغتسلت وتعطرت ولبست أحسن ثيابها، ثم استلقت على فراشها وقالت: “إني مقبوضة الآن”، ثم توفيت وهي مبتسمة، فدفنها الإمام علي رضي الله عنه ليلًا كما أوصت، وكانت أول من غُطي نعشها في الإسلام.

الدروس المستفادة من سيرة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها

  • يجب علينا أن نحب والدينا ونحترمهم، ونكون بجانبهم في أوقات الشدة.
  • الحياة مليئة بالصعوبات، لكن الإيمان والصبر على الابتلاءات هما مفتاح السعادة الحقيقية.
  • السعادة الحقيقية ليست في المال أو الرفاهية، بل في القناعة والرضا بما قسمه الله.
  • الحياة الزوجية تقوم على المحبة، والصبر، والتعاون، ولا تقوم على الرفاهية والمطالب فقط.
  • الأم الصالحة تبني أجيالًا صالحة، وتأثيرها في أبنائها يستمر حتى بعد وفاتها.
  • لا يجب أن نخاف من قول الحق والدفاع عن المظلومين، فذلك جزء من قوة الإيمان.
  • يجب أن نكون دائمًا مستعدين للقاء الله، وأن نعمل الصالحات حتى تكون خاتمتنا طيبة.

في الختام، نجد أن السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها لم تكن مجرد ابنة نبي أو زوجة خليفة أو أم لأئمة، بل كانت نموذجًا خالدًا لكل امرأة مسلمة، وعلى الرغم من أن حياتها كانت قصيرة لكنها كانت مليئة بالعظمة والإيمان والوفاء والصبر، فلنتخذها قدوة لنا في حياتنا، ولنجعل سيرتها نبراسًا يضيء لنا طريق الآخرة، فاللهم اجعلنا من المقتدين بها، وارزقنا حبها وحب والدها وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock