عند الحديث عن الطهارة في الإسلام نجد أنها من أعظم الشرائع التي جاءت لتيسير حياة المسلمين دون الإخلال بالعبادة أو التخفيف من شأنها ومن صور هذا التيسير السماح بالمسح على الجبيرة والعِصابة عند الوضوء لمن يعاني من إصابة أو كسر كرحمة من الله تعالى تتيح للعبد أداء عباداته دون مشقة أو ضرر، لكن كيف يمكن القيام بذلك بطريقة صحيحة؟، وما هي الأحكام الشرعية التي تضبط هذا الأمر؟.
نسلط الضوء في هذا المقال على كيفية المسح على الجبيرة والعِصابة، ولكن لابد من التعرف على معنى الجبيرة والعِصابة وماهو حكم المسح عليهما.
ما هي الجبيرة والعِصابة؟
الجبيرة هي ما يوضع على الكسر في أي جزء من الجسم حتى ينجبر (أي يتم شفاء الكسر)، أما العِصابة هي ما يوضع على الجرح ويُشد بها حتى يلتئم ويُشفى، وتأخذ اللاصقات الطبية نفس حكمهما.
حكم المسح على الجبيرة والعِصابة في الوضوء والغُسل
يجوز المسح على الجبيرة والعِصابة عند الوضوء وعند الغُسل سواء كان الغسل من جنابة أو حيض أو نفاس (ذلك خلافًا للمسح على الخُف الذي لا يجوز إلا في الطهارة الصغرى) بشرط توقع حدوث الضرر إذا نُزعا للطهارة كألم شديد أو تأخر الشفاء، ويجب ألا يتجاوز العضو المصاب إلا لضرورة ربطها.
هل يُشترط وضع الجبيرة والعِصابة على طهارة؟
لا يُشترط لصحة المسح على الجبيرة والعِصابة أن يكونا قد تم وضعهما على طهارة ( خلاف الخُفين لابد أن يتم وضعهما على طهارة) وذلك لأن فيه مشقة على الشخص المصاب، فعن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا على سفر فأصاب رجلا منا حجر، فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالو: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدِمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك، فقال: “قَتَلُوه قَتَلَهُم اللهَ، أَلَا سَأَلُوا إِذ لَم يَعلَمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاءُ العِيِّ (الجهل) السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكفِيهِ أَن يَتَيَمَّمَ، ويَعصِبَ عَلَى جُرحِهِ خِرقَةٌ، ثُمَّ يَمسَحَ عَلَيهَا وَيَغسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ” (رواه أبو داود).
كيفية المسح على الجبيرة والعِصابة في الوضوء والغُسل
يجب المسح على الجبيرة والعِصابة كلها في الغُسل، أما في الوضوء، فيتم مسح الجزء الذي يُغطي محل الفرض من جميع جوانبه ( خلاف للمسح على الخُف الذي يُكتفى بمسح ظاهره فقط) ويتم المسح عليهما مرة واحدة في الوضوء والغُسل.
ما هي مدة المسح على الجبيرة والعِصابة؟
يستمر المسح على العِصابة والجبيرة حتى يتم الشفاء وينتفي الضرر سواء طالت هذه المدة أو قصُرت، وذلك لأن وضعهما كان لضرورة والمدة تُقدر بمقدار هذه الضرورة، فإن برىء وشُفِي ما تحتهما بطُل المسح عليهما حتى وإن لم تُرفعا، لأن علة المسح قد زالت بالتماثل للشفاء.
الحكم عند سقوط الجبيرة أو العِصابة
في حالة سقوط الجبيرة أو العِصابة أو تم إزالتهما سواء بالشفاء أم لا، فلا يجب إعادة الوضوء أو الغُسل ولا حتى غسل موضعهما إن كان قد مسح عليهما ويبقى الشخص على طهارته حتى يُحدث، فإن أعادهما مرة أخرى لاستمرار المرض مسح عليهما حتى تمام الشفاء كما وضحنا.
حكم المسح على الجبيرة أو العِصابة عند المذاهب الأربعة
حكم المسح على الجبيرة والعِصابة في الوضوء والغُسل عند المذاهب الأربعة متفق عليه في الجملة حيث أجازو المسح على الجبيرة أو العِصابة إذا كانت الضرورة تقتضي ذلك مثل الإصابة التي تمنع غسل الموضع ويُمسح عليها فقط دون الحاجة لإزالتها، ويُكتفى بالمسح على الجبيرة أو العِصابة مع مراعاة موضع الإصابة ويُغسل باقي الأعضاء بشكل طبيعي، وهذا الحكم جاء للتيسير على المسلمين ورفع الحرج عنهم تطبيقًا لقول الله عز وجل: “وما جعل عليكم في الدين من حرج” (سورة الحج الآية 78) مع التأكيد على أن المسح يقتصر على موضع الإصابة دون التوسع إلى مواضع أخرى.
في الختام، فإن المسح على الجبيرة والعِصابة في الوضوء أو الغُسل يُعد من التيسيرات التي جاءت بها الشريعة الإسلامية للتخفيف عن المسلمين ورفع الحرج عنهم، وقد بينت المذاهب الفقهية ضوابطه وأحكامه بما يحقق المصلحة وييسر على المصاب أداء عباداته دون مشقة، لذلك ينبغي على المسلم أن يلتزم بالضوابط الشرعية المتعلقة بالمسح عند الحاجة مع استحضار نية الطهارة والتقرب إلى الله، فدين الله رحمة شاملة يُيسر ولا يُعسر تحقيقًا لقول الله تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” (سورة البقرة، الآية 185).
المصدر