أسئلةقصص الصحابةقصص دينية

من هو الصحابي الذي أعطاه الرسول مفتاح الكعبة يوم فتح مكة؟

بين شرف البيت العتيق ووفاء النبوة

من هو الصحابي الذي أعطاه الرسول مفتاح الكعبة يوم فتح مكة؟

من هو الصحابي الذي أعطاه الرسول مفتاح الكعبة يوم فتح مكة؟، في قلب مكة، حيث تعانق الجبال الحجارة السوداء، وتستقر الكعبة شامخةً كأعظم بناء شُيِّد لعبادة الله تُروى لنا قصة من أروع قصص الوفاء النبوي، قصة مفتاح الكعبة، ذاك المفتاح الذي كان رمزًا لسيادة البيت الحرام، وعنوانًا للشرف العظيم.

فمن هو الرجل الذي نال شرف حمل مفتاح الكعبة، ذلك المفتاح الذي تنافس عليه عظماء قريش وملوك الجاهلية، ثم استقر في يد رجلٍ اختاره رسول الله ﷺ بنفسه؟، ولماذا أبقاه في يده ولم يسلبه إياه رغم تغير الأحوال وزوال سلطة قريش؟.

دعونا نتناول هذه القصة، لنكشف الستار عن الصحابي عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري القرشي رضي الله عنه حامل مفتاح الكعبة، وصاحب القصة التي حُفرت في ذاكرة الأمة.

من هو الصحابي الذي أعطاه الرسول مفتاح الكعبة يوم فتح مكة؟

هو الصحابي الجليل عثمان بن طلحة القرشي رضي الله، فمن هو؟

من هو عثمان بن طلحة؟

هو الصحابي الجليل عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري من بني عبد الدار، وهي القبيلة التي أوكلت إليها قريش حفظ الكعبة وسدانتها منذ عهد إسماعيل عليه السلام، وكان عثمان قبل إسلامه سدنة الكعبة يحمل مفتاحها، ويُشرف على فتحها وإغلاقها، ويحتفظ بها كإرث لا يُنازع عليه.

وقد ذكره ابن عبد البر في “الاستيعاب”، وابن الأثير في “أسد الغابة”، ضمن الصحابة الذين أسلموا قبيل فتح مكة، وقيل: بعده بقليل، وقد صحب النبي ﷺ بعد إسلامه، وشهد معه بعض الغزوات، ونال الشرف الأعظم بحمل مفتاح بيت الله الحرام بأمر من رسول الله ﷺ.

من هو الصحابي الذي أعطاه الرسول مفتاح الكعبة يوم فتح مكة؟
(عثمان بن طلحة) الصحابي الذي أعطاه الرسول مفتاح الكعبة يوم فتح مكة

وضع مفتاح الكعبة في الجاهلية

لم يكن مفتاح الكعبة في الجاهلية شيئًا بسيطًا، بل كان رمزًا للهيبة والنفوذ، وكانت بيوت مكة تتطلع لنيل هذا الشرف، لكن قريشًا اجتمعت على أن يكون في بني عبد الدار، بناءً على توزيع المهام والوظائف بين بطون قريش بعد بناء الكعبة.

يقول ابن إسحاق في “السيرة النبوية”، والطبري في تاريخه، إن بني عبد الدار تولوا السدانة والسقاية، وكان منهم عثمان بن طلحة الذي كان المفتاح بيده زمن الجاهلية.

دخول النبي ﷺ مكة فاتحًا وإعطاه مفتاحها لعثمان بن طلحة

عندما دخل رسول الله ﷺ مكة فاتحًا في السنة الثامنة للهجرة، دخلها متواضعًا على ناقته، شاكرًا لله، لا فاتحًا متكبرًا، بل نبيًا رحيمًا، وبدأ في تطهير البيت الحرام من الأصنام التي كانت تعج به، وهو يردد قوله تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (سورة الإسراء، الآية 81)

وكان مفتاح الكعبة آنذاك بيد عثمان بن طلحة، فلما طلبه النبي ﷺ ليفتح البيت ويصلي فيه، رفض عثمان إعطاءه له، لأنه كان لا يزال على دين قومه، فطلبه منه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأخذه عنوة.

دخل النبي ﷺ الكعبة وصلَّى ركعتين، ثم خرج، وبينما الجميع يترقب ماذا سيفعل رسول الله بهذا المفتاح الثمين، نزل عليه الوحي بكلمات حاسمة: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ (سورة النساء، الآية 58)

فالتفت النبي ﷺ إلى علي رضي الله عنه وقال: “يا علي، اذهب بهذا المفتاح إلى عثمان بن طلحة، وأعطه إياه واعتذر له”، وعند تسليم المفتاح، قال النبي ﷺ لعثمان بن طلحة: “يا عثمان، خذها خالدة مخلدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم” (رواه ابن ماجه، وصححه الحاكم والذهبي)

وهكذا أقر النبي ﷺ لبني طلحة – من بني شيبة – بحق السدانة، وجعل ذلك تشريفًا لهم إلى يوم القيامة، وهنا وقف الزمن، فلم يكن هذا مجرد رد مفتاح، بل كان تتويجًا لدرس نبوي خالد في رد الأمانات، وإنصاف أصحاب الحقوق، حتى ولو كانوا في الأمس أعداء.

كيف أسلم عثمان بن طلحة رضي الله عنه؟

لم يكن إسلام عثمان بن طلحة رضي الله عنه نتيجة نقاش فكري أو جدال طويل، بل جاء ثمرة موقف نبيل من النبي ﷺ، ففي يوم فتح مكة، وبعد أن فُتح باب الكعبة، أمر النبي ﷺ أن يُعاد المفتاح إلى عثمان بن طلحة، رغم أنه لم يكن قد أسلم بعد، بل وأمر عليًّا رضي الله عنه أن يعتذر له.

تبدلت ملامح عثمان، وقد كان يتوقع أن يُقصى عن شرف السدانة إلى الأبد، لكنه وجد أمامه نبيًا يُكرمه لا يُهينه، يُعيد له أمانته، ويثبت له شرف قومه، ويقول:
“خذوها يا بني طلحة، خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم”.
عندها لم يملك قلبه أن يصمد أمام هذا العدل، فانفرجت روحه، وقال بصدق: “أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله”، وهكذا دخل الإسلام قلبه لا رهبة من سيف، بل رهبة من عدل، وصدق من نور النبوة، وظل شرف سدانة الكعبة في ذريته إلى يومنا هذا، كما وعده خير البشر ﷺ، وهو ما يزال مع عائلة الشيبـي (وهم من أحفاد عثمان بن طلحة) يتوارثون شرف السدانة جيلًا بعد جيل.

الدروس المستفادة من قصة الصحابي الذي أعطاه الرسول مفتاح الكعبة

  • الوفاء بالحقوق رغم النصر، فكثيرون يغترون بالنصر، فيسلبون الحقوق ويظلمون، أما النبي ﷺ فقد ردَّ الحق لأهله، رغم أن عثمان كان خصمًا بالأمس، وهذا قمة الإنصاف.
  • أداء الأمانة ركيزة إيمانية، ونزول قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ في هذا الموضع، يؤكد أن الإسلام دين يقوم على الأمانة، حتى مع من خالفك في العقيدة.

  • قوة التأثير الخلقي، حيث لم يدخل عثمان بن طلحة الإسلام عن طريق مناظرة أو معجزة، بل بدافع ما رأى من خلق عظيم، وعدل نبوي بليغ، وهكذا تؤثر الأخلاق في النفوس.

أين هو مفتاح الكعبة اليوم؟

مفتاح الكعبة الحقيقي محفوظ لدى آل الشيبي، وهم يعتنون به عناية كبيرة، ويُستخدم عند فتح باب الكعبة المشرفة في المواسم الرسمية، كغسل الكعبة مرتين في العام، وقد تناوب على حمل هذا المفتاح رجال كرام من هذه الأسرة، ويُعرفون بـ”سدنة الكعبة”، واسمهم محفور في تاريخ الأمة.

ماذا قال العلماء والمفسرون عن قصة مفتاح الكعبة؟

ذكر القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ﴾، أن هذه الآية نزلت في قصة مفتاح الكعبة، وقال: “فيها دلالة على وجوب رد الأمانة حتى للكافر، إذا لم يكن في حالة حرب”.

أما ابن كثير، فذكر الرواية في تفسيره، وأكد أن النبي ﷺ لم يخصص أهل المفتاح بالإسلام، بل بالأمانة، وهذا باب عظيم من أبواب الفقه.

في الختام، بعد أن تعرفنا على من هو الصحابي الذي أعطاه الرسول مفتاح الكعبة نجد أن قصة مفتاح الكعبة درس خالد في الوفاء، وتجسيد عظيم لمبادئ الإسلام في التعامل حتى مع الخصوم، فها هو النبي ﷺ يرد المفتاح إلى صاحبه، ويجعل ذلك سنة مستمرة ما بقي البيت العتيق، ليعلمنا أن النصر لا يُقاس بالقوة، بل بالأخلاق.

أما عثمان بن طلحة، فقد خلد اسمه في سجل العظماء، لا لأنه كان فقط حامل المفتاح، بل لأنه شهد اللحظة التي انتقل فيها شرف الجاهلية إلى نور الإسلام، وبقي في أهله بشهادة النبوة، فطوبى له، وطوبى لكل من اقتدى بعدله ووفائه، في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى مثل تلك المواقف النبيلة.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock