صيام يوم السبت منفردًا، الحمد لله الذي فرض علينا الصيام، وشرع لنا من العبادات ما يزكي النفوس ويهذب القلوب، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن مسألة صيام يوم السبت منفردًا من المسائل الفقهية التي أثارت جدلًا بين العلماء، حيث ورد في النهي عن ذلك حديث صحيح، وفي الوقت ذاته وردت أحاديث تبين مشروعية الصيام فيه عند وجود سبب أو عدم قصد التخصيص، ومن هنا جاءت الحاجة إلى دراسة هذه المسألة بإنصاف وفق أصول الفقه،إستنادًا سنة للحبيب صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء.
النهي عن صيام يوم السبت منفردًا من السنة
استند العلماء القائلون بتحريم صيام يوم السبت منفردًا إلى حديث عبد الله بن بسر عن أخته الصماء رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه” (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني)، ويُفهم من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم السبت إلا إذا كان صومًا واجبًا، مثل قضاء رمضان أو الكفارات أو النذور، وقد احتج بعض العلماء بهذا الحديث على تحريم صيام يوم السبت منفردًا.
الأدلة على جواز صيام يوم السبت مع غيره أو عند وجود سبب
على الرغم من وجود حديث الصماء، إلا أن هناك أدلة أخرى تدل على جواز صيام يوم السبت في حالات معينة، ومنها:
- صيام داود عليه السلام: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصيام صيام داود: كان يصوم يومًا ويفطر يومًا” (متفق عليه)، ويعني هذا أن الإنسان لو التزم بصيام يوم وإفطار يوم، فلا بد أن يمر عليه يوم السبت أحيانًا، مما يدل على الجواز.
-
حديث أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: روى البخاري عن جويرية رضي الله عنها أنها كانت صائمة يوم الجمعة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: “أصمتِ أمس؟” قالت: لا، قال: “أتريدين أن تصومي غدًا؟” قالت: لا، قال: “فأفطري” (رواه البخاري)، ويدل هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصيام، لكنه لم ينهَ عن صيام السبت إذا صام المسلم يومًا قبله أو بعده.
-
صيام الست من شوال: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر” (رواه مسلم). فلو وافق أحد هذه الأيام يوم السبت، فلا حرج في صيامه.
-
صيام يوم عرفة وعاشوراء: صيام يوم عرفة سنة مؤكدة، حتى لو وافق يوم السبت، فهو يكفر السنة الماضية.
-
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده” (رواه البخاري ومسلم)، وبما أن السبت يأتي بعد الجمعة، فيجوز صيامه لمن صام الجمعة.
أقوال العلماء في حكم صيام يوم السبت منفردًا
اختلف العلماء في حكم صيام يوم السبت منفردًا إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: تحريم صيام يوم السبت منفردًا
ذهب بعض العلماء إلى تحريم صيام يوم السبت منفردًا، وهو مذهب الإمام أحمد في رواية، بناءً على حديث الصماء، حيث رأوا أن النهي الوارد في الحديث صريح في تحريم صيام يوم السبت إلا في الفرض.
القول الثاني: كراهة صيام يوم السبت منفردًا
ذهب جمهور الفقهاء ومنهم الإمام الشافعي والمالكية إلى كراهة صيام يوم السبت منفردًا، وليس تحريمه، واحتجوا بأن الحديث قد يكون محمولًا على كراهة التخصيص لا على التحريم القطعي.
القول الثالث: الجواز بشرط عدم قصد التخصيص
قال الإمام النووي رحمه الله: “حديث النهي عن صيام يوم السبت حديث مضطرب، وقد ثبت في الصحيحين صيام داود، وهو يقتضي صيام السبت أحيانًا، فلم يكن العمل على النهي عن صيامه.”
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: “النهي عن صيام يوم السبت إنما هو لمن خصصه بالصيام تعبَّدًا، أما إذا وافق صيامًا مشروعًا، فلا حرج فيه.”
* بناءً على ما سبق، فإن القول الراجح هو أن النهي عن صيام يوم السبت منفردًا ليس للتحريم المطلق، وإنما هو نهي عن تخصيصه بالصيام تعبَّدًا بدون سبب، أما إذا صامه الإنسان لأنه وافق عادة له أو كان ضمن صيام مشروع، فلا بأس بذلك.
الأحوال التي يجوز فيها صيام يوم السبت منفردًا
- إذا كان ضمن صيام معتاد (كصيام يوم وإفطار يوم).
- إذا كان ضمن صيام مستحب مثل الست من شوال أو عاشوراء أو عرفة.
-
إذا كان صيام قضاء أو كفارة أو نذر.
-
إذا كان موافقًا لصيام أيام البيض (13، 14، 15 من كل شهر هجري).
-
إذا وافق يومًا من الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة.
أقوال بعض الفقهاء المعاصرين حول حكم صيام يوم السبت منفردًا
اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية:
أجازت صيام يوم السبت إذا كان له سبب شرعي مثل قضاء رمضان أو صيام ست من شوال أو عاشوراء.
الشيخ ابن باز:
رأى أن الحديث الوارد في النهي عن صيام السبت ضعيف، وأجاز صيامه مطلقًا.
الشيخ الألباني:
صحح حديث النهي عن صيام يوم السبت، لكنه رجح الجواز لمن لم يقصد تخصيصه.
الشيخ ابن عثيمين:
قال إنه لا ينبغي التشدد في المسألة، ورجح الجواز عند وجود سبب للصيام.
صيام يوم السبت دار الإفتاء المصرية
أوضحت دار الإفتاء المصرية إنه يجوز إفراد صوم يوم السبت إذا كان هناك سبب لذلك، مثل أن يكون جزءًا من عادة، كمن يصوم يومًا ويفطر يومًا، أو إذا وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء أو كان الصوم لتقضية ما على المسلم من رمضان.
كما أوضحت “الإفتاء” أن صيام يوم السبت يعد من الأمور المكروهة عند بعض العلماء، استنادًا إلى الحديث النبوي الشريف: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم».
هل يجوز صيام يوم السبت في المذهب المالكي؟
يُعتبر صيام يوم السبت منفردًا مكروهًا في المذهب المالكي إذا لم يكن هناك سبب شرعي لذلك، ومع ذلك إذا كان الصيام مرتبطًا بسبب مثل صيام النافلة الذي يتزامن مع يوم السبت أو إذا كان جزءًا من عادة مستمرة، فإن ذلك يُسمح به ولا يُعتبر مكروهًا.
كما يُستحب في المذهب المالكي تجنب صيام يوم السبت منفردًا، لكن لا يُحرم إذا كان جزءًا من صيام متواصل أو كان لأداء فريضة أو قضاء.
هل يجوز صيام يوم السبت والاحد لقضاء الدين؟
صيام يومي السبت والأحد لقضاء الدين جائز شرعًا من حيث الأصل، ولا مانع شرعي من صيام هذين اليومين لتقضية ما على المسلم من رمضان أو نذر أو صيام تطوع إذا لم يكن هناك مانع شرعي آخر.
بالنسبة لصيام يوم السبت في حد ذاته، فقد ورد في الحديث النبوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم»، وقد اختلف العلماء في تفسير هذا الحديث، وقد أشار المالكية إلى أنه يُستحب تجنب إفراد يوم السبت بالصيام، إلا إذا كان هناك سبب شرعي لذلك، مثل صيام قضاء رمضان أو صيام نفل متصل، أو إذا كان صيام يوم السبت جزءًا من صيام متواصل (كمن يصوم يومًا ويفطر يومًا) [رواه البخاري].
أما بالنسبة لصيام يوم الأحد، فلا يوجد أي دليل شرعي يمنع من صيامه، بل يمكن صيامه مع يوم السبت إذا كان ذلك لغرض شرعي مشروع، مثل قضاء صيام رمضان أو صيام نفل.
وبالتالي يمكن للمسلم أن يصوم يومي السبت والأحد بقضاء الدين من غير كراهة شرعية، بشرط ألا يكون الصيام لسبب محرم.
سبب كراهة صيام يوم السبت منفردًا
يُعد صيام يوم السبت منفردًا من المسائل التي اختلف فيها العلماء، حيث وردت أحاديث نبوية تحذر من تخصيص هذا اليوم بالصيام دون سبب مشروع كما وضحنا في بداية المقال، ويدل ذلك على أن الصيام في هذا اليوم لا يُستحب إلا إذا كان فرضًا، كصيام كفارة أو قضاء، ويُفسر العلماء هذا التحذير بعدة أسباب، أهمها تجنب مشابهة أهل الكتاب الذين كانوا يصومون هذا اليوم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “خالفوا اليهود والنصارى”، وذلك لأن يوم السبت يوم معظم عن اليهود، بالإضافة إلى ذلك يُعتبر هذا التحذير من باب المحافظة على تنوع العبادة وعدم التفرد بيوم واحد، وذلك يعكس التوازن الذي يُنصح به المسلم في عباداته.
في الختام، نجد أن مسألة صيام يوم السبت منفردًا قد تناولتها الشريعة الإسلامية بتفصيل، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من تخصيص هذا اليوم بالصيام إلا في حال وجود سبب مشروع، مثل صيام نفل مستحب أو يوم تطوع يتوافق مع صيام مستمر، وعليه لا يجوز للمسلم أن يقتصر على صيام السبت دون سبب شرعي تجنبًا لأي احتمال للخروج عن السنة، فإن اختيار الأيام المناسبة للصيام من خلال الالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم يعكس حرص المسلم على التوفيق بين العبادة والاتباع الصحيح، مع العلم أن هناك من العلماء من أجاز صيامه كابن بازإستنادا إلى ضعف الحديث، وفقنا الله وإياكم لإتباع سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
المصدر
