من سيرة السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين
تعرف على سيرة السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
الحمد لله الذي أكرم أمة الإسلام بنماذج عظيمة من النساء، كنَّ منارات هدى، وأعلام تقوى، وسيدات للمؤمنات في الدنيا والآخرة، ومن بين هؤلاء النساء تقف السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها شامخة بمكانتها، عظيمة بخصالها، خالدة بسيرتها التي تتوارثها الأجيال لتكون قدوة لكل امرأة تطمح إلى أن تعيش حياتها برضا الله وإيمان صادق.
هي خديجة أول من آمنت برسالة السماء من البشر، والسند الأول لخير البرية، واليد الحانية التي مدت العون والنصرة لرسول الله ﷺ في أصعب اللحظات، فهي من ضحت بمالها، وجاهها، وراحتها لتكون رفيقة درب النبي الكريم، وشريكته في الدعوة.
هذه السيدة العظيمة رمز لكل من يبحث عن الإيمان الحق والصبر الجميل والعمل المخلص في سبيل الله، وفي سيرتها دروس عميقة للنساء والرجال على حد سواء، فهي نموذج للوفاء، والحكمة، والإخلاص الذي لا يزول.
نقف في هذا المقال عند محطات من حياتها المباركة، وننهل من معين حكمتها، ونستلهم من مواقفها ما يضيء لنا دروب الحياة، فالسيدة خديجة مدرسة كاملة تعلمنا كيف نعيش حياتنا بعزيمة وإيمان.
نسب السيدة خديجة بنت خويلد ومكانتها
هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي من قبيلة قريش، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم العامرية. وُلدت رضي الله عنها في بيت من أرفع بيوت قريش نسبًا وشرفًا، وذلك أكسبها مكانة اجتماعية مرموقة، وولدت في مكة قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة تقريبًا، وقد اشتهرت السيدة خديجة رضي الله عنها في الجاهلية بلقب “الطاهرة”، وذلك لما عُرف عنها من عفة، وكرم أخلاق، وحسن سيرة بين قومها.
كانت السيدة خديجة تاجرة ماهرة، تدير تجارة واسعة بين مكة والشام، وقد عُرفت بجودة إدارتها وحسن تعاملها مع الناس، وكانت تستأجر الرجال الأكفاء لإدارة تجارتها، وهذا ما جعلها من أغنى نساء مكة وأكثرهن احترامًا.
تزوجت السيدة خديجة عتيقبن عابد، وولدت له هندًا، ثم مات عنها، فتزوجت أبا هالة التميمي، وولدت له بنتًا وولدًا، ثم مات عنها أيضًا، فبقيت بأولاد دون زوج حتى تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم.
خصال السيدة خديجة بنت خويلد العفيفة الطاهرة
لقد كانت السيدة خديجة رضي الله عنها امرأة جميلة عاقلة حكيمة، وشريفة حسيبة من قريش، ولها نسب مشترك مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث تشترك معه في الأجداد، وكانت تُدعى في الجاهلية بالطاهرة؛ لشدة عفافها، وكانوا يصفونها بسيدة نساء قريش، وورثت من الأموال الكثير، فكانت شديدة الغنى والثراء حتى قيل: إن تجارتها كانت تعدل تجارة قريش كلها.
زواج السيدة خديجة بنت خويلد من النبي صلى الله عليه وسلم
عندما بلغ النبي ﷺ الخامسة والعشرين من عمره اشتهر بين قومه بلقب “الصادق الأمين”، وهو ما دفع السيدة خديجة إلى اختياره ليعمل في تجارتها، وقد أرسلت معه غلامها ميسرة الذي رأى من دلائل النبوة في أثناء الرحلة ما رأى، حيث كانت تظل النبي صلى الله عليه وسلم غمامة، وكان يصدق القول ولا يحلف، فعاد ميسرة إليها بحكايات عن أمانته وصدقه وحسن خلقه، وأُعجبت السيدة خديجة بشخصية النبي ﷺ، فرغبت في الزواج منه رغم أنها كانت تكبره بخمسة عشر عامًا، وكانت مطمعًا لسادة قريش، ولكنها أحست أنهم طلاب مال وثراء، أما محمد صلى الله عليه وسلم، فقد رأت فيه النبل والأمانة والوفاء، وأنه لم يتطلع إلى مالها وجمالها.
أرسلت خديجة صديقتها نفيسة بنت منية لتعرض عليه الأمر، فقبل النبي ﷺ. وتزوجا، وكان عمره آنذاك خمسًا وعشرين سنة، بينما كانت هي في الأربعين، وأمهرها النبي صلى الله عليه وسلم اثنتى عشرة ونصف أوقية من ذهب، وكان زواجهما مثالًا للحب والوفاء، فقد عاشا حياة مليئة بالاحترام والتفاهم.
ولا يوجد شيء يدل على الحكمة والفطنة عند المرأة من أن تُحسن الاختيار عند الزواج، وتبحث عن الأمانة والقلب السليم، وغنى النفس، واستقامة الضمير، وكمال الرجولة وشرف المروءة، وسلامة الطبع، معرضة عن الغنى المادي، والعرض الزائل، فقد اختارت السيدة خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحدث منها سنًا، فضلًا عن قلة ماله، وعدم رياسته، وضعف مكانته آنذاك .
وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلها حتى ولو ملكت أبهى الجمال، وأكثر المال، لولا ما رآه فيها من الفطنة ورجاحة العقل، وشريف الخصال، وحميد الفعال، وعفة المئزر، وسلامة الجوهر، وعراقة المنبت.
الذرية المباركة للسيدة خديجة بنت خويلد من النبي صلى الله عليه وسلم
قام البيت المبارك على الود والرحمة والحب، وتمنت السيدة خديجة رضي الله عنها أن يرزقها الله بالولد ممن سيكون له شأن عظيم، وجاءت اللحظة السعيدة بولادة أول مولود للحبيب، وهو القاسم الذي كُنى به النبي صلى الله عليه وسلم، وتتابعت الذرية، فولدت له زينب، وأم كلثوم، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وذلك قبل النبوة، ثم أنجبت عبد الله بعد النبوة، والذي كان يُلقب بالطاهر، ومات الولدان كلاهما في صغرهما، أما بناته فكلهنَّ أدركنَّ الإسلام، فأسلمنَّ وهاجرنَّ، وقد أدركتهنَّ الوفاة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا فاطمة، فقد توفيت بعده بستة أشهر.
رضي الله عنها نعم الزوجة والسند والمعين
لقد صدقت معه قبل الوحي، فقوت ظهره وأعانته على حياته الطاهرة النقية البعيدة عن الأوثان والخمر والميسر والمجون والشهوات، وكانت له سندًا ومعينًا في حياة التجرد والتأمل، والبعد عن الصخب وضوضاء الجاهلية.
كانت تهيئ له الزاد كل عام ليقضي شهر رمضان في غار حراء، وكذلك في الليالي العديدة، وساعدته بتوفير الهدوء والراحة والإشراف على الأولاد، ولم تُشعره بضيق ولا ضجر مدة حياة التامل والتجرد والانقطاع عن الناس، وملازمته الغار حتى أتاه جبريل عليه السلام.
دور السيدة خديجة بنت خويلد في الدعوة الإسلامية
كانت السيدة خديجة أول من آمن برسالة النبي ﷺ، فلم يتردد قلبها لحظة في تصديقه والوقوف بجانبه، فعندما نزل الوحي على النبي لأول مرة في غار حراء عاد إلى بيته خائفًا ومضطربًا، فقال لها: “زملوني زملوني”، فلما هدأت نفسه أخبرها بما حدث، فما كان منها إلا أن قالت كلماتها الشهيرة: “كلا والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.”(رواه البخاري).
لقد كانت كلماتها هذه بمثابة البلسم الذي طمأن قلب النبي ﷺ، وأكدت له أن الله لن يخذله أبدًا، كما كانت أول من آزر النبي ﷺ، وأول من شاركه همومه وأحلامه في نشر دعوة الإسلام.
تضحية السيدة خديجة بنت خويلد في سبيل الدعوة
السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها نموذج عظيم للتضحية والبذل في سبيل نصرة الإسلام منذ لحظاته الأولى، فكانت حياتها كلها وقفًا لخدمة الدعوة الإسلامية، وبذلك أصبحت مثالًا خالدًا للوفاء والدعم الحقيقي الذي لا حدود له.
لم تبخل السيدة خديخة رضي الله عنها بشيء من مالها على الإسلام بل أنفقت كل ما تملكه لدعم النبي صلى الله عليه وسلم والدعوة الإسلامية سواء في نشر الرسالة، أو في إعانة المسلمين الذين كانوا يُضطهدون في مكة.
حينما كان المسلمون المستضعفون يُقاطعون اقتصاديًا واجتماعيًا خلال حصار قريش لبني هاشم وبني المطلب في شعاب مكة، قدمت خديجة رضي الله عنها كل ما تبقى لها من مال لإعالة المسلمين وتخفيف معاناتهم، فلقد بذلت دون أن تنتظر أي مقابل، واحتسبت ذلك كله عند الله تعالى، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حقها: “واستني بمالها حين حرمني الناس.” (رواه أحمد).
من أعظم صور التضحية التي قدمتها السيدة خديجة رضي الله عنها كانت خلال سنوات الحصار التي فرضتها قريش على بني هاشم، وعاشت خديجة ثلاث سنوات في شعاب مكة في ظروف شديدة القسوة حيث عانى المسلمون من الجوع والفقر والحرمان ومع ذلك صبرت واحتسبت.
رغم أنها كانت متقدمة في العمر حينها إلا أنها لم تتراجع عن دعمها للنبي صلى الله عليه وسلم ولم تظهر أي شكوى أو ضعف بل كانت تثبت من عزيمته وترفع من روحه المعنوية.
كانت السيدة خديجة رضي الله عنها تُضحي بكل ما تحب وتملك من أجل إسعاد زوجها، فقد أحست أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب مولاها زيد بن حارثة، فوهبته له، ولما شعرت بتأثر النبي صلى الله عليه وسلم على حال أمه في الرضاع السيدة حليمة السعدية؛ لسوء العيش وضيقه عندها، أعطتها عن طيب نفس أربعين رأسًا من الغنم، وبعيرًا تحمل عليه الماء؛ إرضاءً لزوجها صلى الله عليه وسلم، فقد كان قلب السيدة خديجة رضي الله عنها يتأثر بعاطفة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ينادي حليمة في لهف وحنان: “أمين أمي”.
مكانة السيدة خديجة بنت خويلد عند النبي ﷺ
كانت السيدة خديجة بنت خويلد أحب الناس إلى النبي ﷺ، ولم يكن يخفي ذلك عن أحد حتى بعد وفاتها ظل النبي يذكرها دائمًا بالخير، ويثني عليها في كل مناسبة، ومن أبلغ ما رُوي عن ذلك، ما قاله النبي ﷺ: “آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها وحرم ولد غيرها.” (رواه أحمد).
وكانت غيرتها رضي الله عنها على النبي سببًا في غيرة السيدة عائشة رضي الله عنها، التي قالت يومًا: “ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، وما رأيتها قط، ولكن كان النبي يكثر ذكرها.” (رواه البخاري).
فطنة ورجاحة عقل السيدة خديجة بنت خويلد
من شواهد فطنة السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وسلامة فطرتها: حادثة إلقاء قناعها عند مجئ جبريل عليه السلام، وإيقانها أنه ملك كريم، وليس شيطانًا رجيمًا، فقد روى ابن الأثير في “أسد الغابة” قول السيدة خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن عم، هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك الذي يأتيك إذا جاءك؟ تقصد جبريل عليه السلام، قال: نعم، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها إذ جاءه جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هذا جبريل قد جاءني”، فقالت: أتراه الآن؟، قال: “نعم”، قالت: اجلس على شقي الأيسر، فجلس، فقالت: هل تراه الآن؟ قال: “نعم”، قال: فاجلس على شقي الأيمن، فجلس، فقالت: هل تراه الآن؟ قال: “نعم”، قالت: تحول فاجلس في حجري، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس، فقالت: هل تراه؟ قال: “نعم”، فتحسرت (كشفت رأسها) وألقت خمارها وقالت: هل تراه؟ قال: “لا”، قالت: ما هذا شيطان، إن هذا لملك يا ابن عم، اثبُت وأبشر.
إن الأمر يخصها؛ لأنه يخص زوجها، لذلك فهي منشغلة بالتفكير في الأمر، وهي بعقلها وخبرتها وعلمها احتالت لتصل إلى الحقيقة، فهي تعلم أن الملائكة يستحون، فلما أخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بانصراف جبريل ألقت خمارها، علمت أنه ملك، وليس شيطان.
مآثر ومناقب السيدة العظيمة
لقد بلغت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها في صلاحها أعلى الدرجات من فضائل النفس، والقرب، وصحة اليقين، ومن ثم ذروة الإيمان، فهي أولى أمهات المؤمنين وأفضل نساء العالمين، وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون” (رواه الترمزي).
لقد أعطت القدوة في الفطنة والبصيرة والصبر والتضحية والجود وطهارة النفس والعفة والوفاء، فإنها الزهرة التي فاح أريجها بعطر الإيمان، فآزرت النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، وآنسته في شدته.
زاد قدر السيدة خديجة رضي الله عنها عند الله تعالى، وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك نزل جبريل وقال لرسول الله: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.(رواه البخاري)
قال العلماء: بشرها الله ببيت من قصب، أي من اللؤلؤ المجوف، لاصخب فيه، أي لا صوت مرتفع فيه، ولا نصب، أي لا تعب، وقيل: بُشرت بذلك؛ لأنها لم تصخب، أي لم ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، ولا نصب؛ لأنها لم تتعبه، ولم تكلفه مشقة أبدًا، فاستحقت بذلك أن يكون لها بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب.
وفاتها وأثرها على النبي ﷺ
توفيت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها في السنة العاشرة من البعثة بعد خروج النبي ﷺ من شعب أبي طالب بوقت قصير، وكانت وفاتها حدثًا مؤلمًا للنبي ﷺ حتى سُمي ذلك العام بـ”عام الحزن”، لأنه فقد فيه خديجة، ومن بعدها عمه أبو طالب، وهما كانا أعظم داعمين له.
ظل النبي ﷺ وفيًا لذكرى خديجة حتى بعد وفاتها بسنوات، وكان يكرم صديقاتها، ويذكرها بكل حب ووفاء، وكان ذلك دليلًا على مكانتها العظيمة في قلبه ﷺ.
الدروس المستفادة من سيرة السيدة خديجة بنت خويلد
سيرة السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها مليئة بالدروس والعبر التي يمكن أن تكون منهاجًا للحياة خاصة لمن يبحث عن الإيمان الصادق والتضحية الحقيقية في سبيل الله، فقد كانت رضي الله عنها نموذجًا للمرأة المؤمنة، والزوجة الوفية، والشريكة الداعمة، ومن خلال سيرتها يمكن أن نستخلص العديد من الدروس المهمة التي تنير دروب حياتنا:
الإيمان الراسخ والثقة بالله
السيدة خديجة رضي الله عنها كانت أول من آمن برسالة النبي ﷺ دون تردد أو شك، رغم أن الدعوة كانت في بدايتها ولم تكن هناك أي دلائل ملموسة على نجاحها، ويعكس هذا عمق إيمانها بالله وثقتها في نبيه ﷺ، ونستخلص من ذلك أن الثقة بالله واليقين بقدرته هما أساس النجاح في كل مسعى في الحياة، حتى في أصعب الظروف.
الدعم المعنوي والعاطفي في العلاقة الزوجية
كانت السيدة خديجة سندًا معنويًا للنبي ﷺ خاصة في أصعب اللحظات، فعندما عاد النبي من غار حراء مضطربًا لأول مرة بعد نزول الوحي كانت هي من طمأنته وهدأت من روعه بكلماتها الحانية ودعمها الصادق، فالزوجة الصالحة هي التي تكون سندًا لزوجها في أوقات الشدة، وتعينه على الثبات والصبر.
التضحية والبذل في سبيل الله
أنفقت السيدة خديجة بنت خويلد كل مالها في سبيل دعم النبي ﷺ والدعوة الإسلامية، ولم تبخل بشيء حتى عندما تعرضت هي نفسها للفقر والجوع خلال حصار شعب أبي طالب، فالتضحية بالمال والراحة من أجل القيم السامية والدعوة إلى الخير هو شرف عظيم وواجب على كل مسلم ومسلمة.
الصبر والثبات في مواجهة المحن
رغم المحن والشدائد التي واجهتها السيدة خديجة رضي الله عنها مع النبي ﷺ، وخاصة خلال سنوات الحصار الاقتصادي والاجتماعي ظلت صابرة ومحتسبة، ولم تتذمر أو تضعف بل وقفت بجانب النبي ﷺ بكل ثبات، فالثبات في وجه الشدائد، والصبر على الأذى، هما الطريق إلى تحقيق الغايات الكبرى ونيل رضا الله.
حسن إدارة الحياة والأعمال
كانت السيدة خديجة تاجرة ناجحة قبل الإسلام، وقد عُرفت بحكمتها وذكائها في إدارة تجارتها، مما أكسبها مكانة مرموقة بين قريش، فالنجاح في الدنيا لا يتعارض مع الإيمان بل يمكن للمسلم أن يجمع بين التفوق في أمور الدنيا والآخرة إذا أخلص النية وأحسن العمل.
الوقوف مع الحق مهما كانت الظروف
كانت السيدة خديجة أول من ناصر النبي ﷺ، ووقفت مع الإسلام منذ اللحظة الأولى رغم ما كان يمكن أن تواجهه من معارضة وتهديد من قومها، فالوقوف مع الحق يتطلب شجاعة وإيمانًا، وهو واجب على المسلم مهما كانت الظروف أو التحديات.
مكانة المرأة في الإسلام
سيرة السيدة خديجة رضي الله عنها تُبرز المكانة العظيمة التي أولاها الإسلام للمرأة حيث كانت شريكة في الدعوة، وأمًا للمؤمنين، ومثالًا للنساء في كل العصور، فالإسلام يُكرم المرأة ويعطيها دورًا عظيمًا في بناء المجتمع ودعم القيم النبيلة.
الوفاء والإخلاص
كان النبي ﷺ يذكر السيدة خديجة دائمًا بالخير بعد وفاتها، تقديرًا لوفائها وإخلاصها له وللدعوة حتى أن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله لها.” (رواه البخاري)، فالوفاء والإخلاص قيم عظيمة ينبغي أن يتحلى بها المسلم في علاقاته، سواء مع الله أو مع الناس.
تقديم الأولويات
تركت السيدة خديجة حياة الرفاهية التي كانت تعيشها قبل الإسلام، ووجهت كل إمكانياتها لدعم النبي ﷺ والدعوة الإسلامية، فالمسلم ينبغي أن يعرف أولوياته، ويضع خدمة دينه ونصرة الحق فوق أي اعتبارات أخرى.
التوازن بين الدنيا والآخرة
رغم أنها كانت سيدة أعمال ناجحة، إلا أن السيدة خديجة لم تجعل المال أو المكانة الدنيوية غاية لها بل سخرت كل ذلك لخدمة الإسلام ودعوة النبي ﷺ، فالتوازن بين العمل في الدنيا والعمل للآخرة هو أساس حياة المسلم الناجحة.
بناء العلاقات على القيم
كان زواج السيدة خديجة والنبي ﷺ مبنيًا على القيم السامية، من الإيمان والوفاء والتضحية، مما جعله مثالًا يُحتذى به لكل زوجين، فالعلاقات الزوجية الناجحة هي التي تُبنى على أسس قوية من الاحترام، والدعم المتبادل، والإيمان المشترك.
في الختام، تبقى السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها قدوة للنساء والرجال على حد سواء بما قدمته من مثال رائع للمرأة المؤمنة، والزوجة المخلصة، والشريكة الحقيقية في بناء أمة الإسلام، وسيرتها دروس متجددة للأجيال، وذكراها ستبقى خالدة في قلوب المسلمين إلى يوم الدين رضي الله عنها وأرضاها، وجمعنا بها في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء.
المصدر