مواضيع تعبير دينيةإعرف دينك

فضل صلة الرحم وعقوبة قاطعها في الإسلام

تعرف على فضل صلة الرحم وعقوبة قاطعها

فضل صلة الرحم وعقوبة قاطعها في الإسلام

في عالم تملؤه العزلة الاجتماعية والانشغال بالهموم اليومية تبرز صلة الرحم كواجب ديني وضرورة اجتماعية تعيد للقلوب دفئها وللمجتمعات تماسكها، فصلة الرحم عبادة جليلة أوجبها الله وجعلها سببًا في البركة في العمر والزيادة في الرزق، ووعلى النقي تُعد قطيعة الرحم من الذنوب العظيمة التي توعد الله قاطعها بعقوبة في الدنيا والآخرة، فما معنى صلة الرحم؟ وما حكمها؟ وما العقوبات التي توعد الله بها من قطع رحمه؟ هذا ما سنتناوله في هذا المقال تفصيلًا، مستندين إلى الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

فضل صلة الرحم وعقوبة قاطعها في الإسلام
صلة الرحم

تعريف صلة الرحم

صلة الرحم تعني الإحسان إلى الأقارب وصلتهم بالزيارة، والسؤال عن أحوالهم، وقضاء حوائجهم، والتودد إليهم بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، والوقوف معهم في السراء والضراء، وأقرب الأرحام هم الوالدان، ثم الإخوة والأخوات، ثم الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، ثم أبناء العمومة والأخوال.

حكم صلة الرحم في الإسلام

أجمع العلماء على أن صلة الرحم واجبة، وقطيعتها محرمة من كبائر الذنوب، وهذا الحكم مستند إلى أدلة شرعية واضحة:

من القرآن الكريم:

قال الله تعالى: “وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” (سورة النساء، الآية 1)، لقد أوضح المفسرون إن هذه الآية تأمر بالمحافظة على الأرحام وصِلَتها، وتنهى عن قطعها، فهي جزء من تقوى الله.

من السنة النبوية

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ” (رواه مسلم)، وهذا وعيد شديد يدل على أن قطيعة الرحم من الذنوب العظيمة التي قد تكون سببًا في حرمان العبد من الجنة.

فضل صلة الرحم وأثرها في الدنيا والآخرة

من أهم ثمار صلة الرحم أنها تجلب البركة في العمر وتزيد في الرزق، كما ورد  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَّ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ له فِي رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” (رواه البخاري)، وقال العلماء إن معنى “يُبسط له في رزقه” أي يبارك له فيه ويكثر خيره، ومعنى “يُنسأ له في أثره” أي يطول عمره إما حقيقة أو بركة في وقته وإنجازاته.

كما أن صلة الرحم من الأعمال التي يحبها الله، فمن وصل رحمه، فقد أطاع الله ورسوله، وهذا دليل على قوة إيمانه واستقامته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” 

ومن فضل صلة الرحم على العبد المسلم غفران الذنوب، فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم”، وذلك يدل على أن قطيعة الرحم تحجب قبول الأعمال الصالحة، وهي خسارة عظيمة للعبد.

عقوبة قاطع الرحم في الدنيا والآخرة

عقوبة قاطع الرحم في الدنيا

ذكر النبي ﷺ أن قاطع الرحم يعاقب في الدنيا قبل الآخرة، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من ذنب أجدر أن يُعَجِّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدّخر له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم” (رواه الترمذي)، ويدل ذلك  على أن الله يعجل العقوبة لقاطع الرحم، وقد تكون في صورة مصائب متلاحقة، أو نزع البركة من المال والعمر، أو سوء الخاتمة.

عقوبة قاطع الرحم في الآخرة

إن أعظم عقوبة لقاطع الرحم في الآخرة هي حرمانه من رحمة الله ودخوله النار، فقد قال النبي ﷺ: “لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ” (رواه مسلم)، وقد بيَّن العلماء أن هذا الوعيد قد يعني تأخره عن دخول الجنة، أو حرمانه منها إن كان قطع الرحم معاصٍ أخرى عظيمة استوجبت ذلك.

كما أن قطع الرحم توجب لعنة الله على فاعلها، فالله تعالى يقول في كتابه: “فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ” (سورة محمد، الآية 22-23)، وتوضح هذه الآية أن قاطع الرحم معرض للَّعنة والطرد من رحمة الله، كما أنه يعيش في غفلة وظلمة لا يهتدي للحق.

متى يجوز قطع الرحم؟

هناك بعض الحالات التي قد يُجوز فيها قطع الرحم، وهي استثناء على الرغم من أن هذه الحالات ليست شاملة أو مُستحسنة دائمًا، ومن هذه الحالات:

مقاطعة الأرحام إذا اتخذوا صف الأعداء:

إذا كان الأقارب من الكفار أو المشركين المتربصين بالإسلام، فلا ينبغي للمسلم أن يوادِهم، حتى لو كانوا من أقرب الأقارب، و هذا مبني على الآية القرآنية التي تحرم اتخاذ عدو الله وعدو المسلمين أصدقاء، حتى لو كانوا أقرب الناس إليهم، وهي: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ” (سورة الممتحنة، الآية 1).

مقاطعة من لا يأمن جانبهم

في حالة كان هناك تهديد حقيقي على السلامة الشخصية مثل تهديد بالضرر الجسدي أو الإهانات غير المحتملة، فقد يُسمح بالمقاطعة في هذه الحالات، ومع ذلك يجب أن يكون هذا القرار متأملًا بالحفاظ على السلامة الشخصية وليس نتيجة لسوء الأخلاق أو الحسد.

حكم قطع الرحم

لا يجوز قطع الرحم بسبب سوء الأخلاق أو الظلم، بل يجب التسامح والنصيحة والتوجيه إلى الخير، وصلة الرحم واجبة، ولا ينبغي أن تُقطع إلا في حالات استثنائية جداً.

كما لا يجوز قطع الرحم بسبب نزاعات الميراث، ويجب على المسلم أن يطلب حقوقه بطريقة شرعية دون أن يقطع صلة رحمه.

أسباب قطيعة الرحم وكيفية علاجها

أسباب قطيعة الرحم:

  • ضعف الوازع الديني، حيث أن من يعرف فضل صلة الرحم وعقوبة قطيعتها لن يجرؤ على قطعها.
  • الانشغال بالدنيا، حيث أصبح البعض يبرر تقصيره في صلة رحمه بانشغالات الحياة.
  • الخلافات العائلية التي قد تؤدي إلى القطيعة لسنوات، رغم أن الإسلام يدعو للتسامح.
  • الحسد والبغضاء مما يجعل البعض يقطع رحمه عن قصد بسبب الغيرة أو الحقد.

طرق علاج قطيعة الرحم:

  • تذكر فضل صلة الرحم وعقوبة قاطعها، فالمعرفة تزيد الدافع للعمل الصالح.
  • التسامح والتغافل، فالعلاقات لا تخلو من المشكلات، لكن المسلم مأمور بالإصلاح.
  • استحضار النية الصالحة بأن تكون الصلة لوجه الله لا لمصلحة دنيوية.
  • مبادرة الصلح، فالأفضل أن يكون المسلم هو المبادر بالصلة حتى لو كان الطرف الآخر هو المخطئ.

في الختام، صلة الرحم عبادة عظيمة ترفع الدرجات وتزيد البركات، بينما قطيعتها تهوي بصاحبها إلى غضب الله وعقوبته، فمن أراد السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، فليصل رحمه وليتغافل عن أخطاء أقاربه، وليجعل صلته بهم خالصة لوجه الله، وكما قال رسول الله ﷺ: “ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها” (رواه البخاري)، فكن أنت ذلك الواصل، ولا تكن من القاطعين، تفُز بسعادة الدارين.

المصدر

1

زر الذهاب إلى الأعلى
Index