قصص الصحابةقصص دينية

أسماء بنت أبي بكر..مواقف من حياة ذات النطاقين

أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين

أسماء بنت أبي بكر..مواقف من حياة ذات النطاقين

أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها شخصية استثنائية تُجسد في حياتها معاني الشجاعة والتضحية والبصيرة، ونشأت أسماء في أجواء ملؤها الإيمان والقيم النبيلة؛ لتكون من أوائل من ساندوا النبي ﷺ في دعوته ومن أوائل من وقفوا في مواجهة التحديات العصيبة برؤية ثابتة وإيمان قوي.

لُقبت السيدة أسماء بذات النطاقين، وهو اسم يحمل قصة تضحية ودور بطولي محفور في ذاكرة الإسلام، سنستعرض في هذا المقال حياة هذه السيدة العظيمة وتأثيرها الممتد أدوارها المتعددة كابنة وأم ونموذج يُحتذى به عبر الأجيال.

نسب السيدة أسماء بنت أبي بكر ونشأتها

السيدة أسماء بنت أبي بكر هي أسماء بنت عبد الله بن أبي قحافة التيمي القرشي والدها هو الصحابي الجليل والخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأمها قُتيلة بنت عبد العزى التي لم تسلم.

وُلدت السيدة أسماء رضي الله عنها في مكة قبل الهجرة النبوية بسبعٍ وعشرين عامًا وتنتمي إلى بيتٍ مشرف حيث كان والدها من أوائل من أسلموا ورفيق النبي ﷺ وصاحبه في الهجرة ووالدتها أيضًا كانت من سيدات قريش.

نشأت ذات النطاقين رضي الله عنها في مكة في ظل بيئة دينية متأثرة بالإسلام منذ صغرها وذلك من خلال والدها أبي بكر الذي اعتنق الإسلام في بدايات الدعوة وساهمت أسرته في دعم النبي ﷺ وجعلها ذلك تشهد تلك الأحداث المفصلية وتعيش في أجواء الإيمان والصبر على الشدائد.

لماذا سميت أسماء بذات النطاقين؟

لُقبت السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بذات النطاقين لأنها عندما أعدت الزاد والسقاء للرسول ﷺ ووالدها يوم الهجرة إلى المدينة ولم تجد ما تربط به المزود والسقاء، فقامت بشق نطاقها (وهو الحزام الذي تشد به المرأة وسطها) إلى نصفين وربطت بأحدهما المزود وبالآخر السقاء.

والنبي ﷺ دعا لها آنذاك بأن يبدلها الله بنطاقين في الجنة ومنذ ذلك الحين عرفت بهذا اللقب المبارك.

مساندتها للنبي وأبي بكر أثناء الهجرة

كانت السيدة أسماء بنت أبي بكررضي الله عنها من أبرز من ساندوا النبي ﷺ ووالدها أبي بكر أثناء الهجرة النبوية، ويذكر الإمام الطبري في تاريخ الرسل والملوك والإمام ابن كثير في البداية والنهاية أن أسماء تولت مسؤولية إيصال الطعام والأخبار إلى النبي ﷺ وأبي بكر اللذين اختبآ في غار ثور لتجنب ملاحقة قريش وكانت السيدة أسماء رضي الله عنها تقوم برحلات متكررة وخطرة من مكة إلى الغار وسط أجواء الترقب والخطر، وذلك أظهر شجاعتها وإخلاصها العميق للدعوة.

تواجهت السيدة أسماء رضي الله عنها مع قريش أثناء اختباء النبي ﷺ ووالدها حينما جاء أبو جهل وسألها عن مكان أبي بكر وعلى الرغم من تهديداته رفضت أسماء البوح بمكانهما، وذكر هذا الموقف ابن هشام في السيرة النبوية حيث أظهر شجاعتها وقوة ثباتها أمام تهديدات أبو جهل، وذلك عكس شخصيتها المميزة وصلابتها.

زواج السيدة أسماء بنت أبي بكر

تزوجت ذات النطاقين من الزبير بن العوام أحد المبشرين بالجنة وكان شابًا فقيرًا ليس له خادم ينهض بخدمته، أو مال يُوسع به على أولاده غير فرس اقتناها.

فكانت رضي الله عنها له نعم الزوجة الصالحة تخدمه وتسوس فرسه وترعاه وتطحن النوى لعلفه حتى فتح الله عليه وأصبح من أغنى أغنياء الصحابة.

وعندما أمر النبي المسلمين بالهجرة إلى المدينة فرارًا بدينهم إلى الله ورسوله كانت مع المهاجرين هي وزوجها وقد أتمت حملها بابنها عبد الله بن الزبير ولم يمنعها حملها من تحمل مشاق الرحلة الطويلة فما أن بلغت قباء حتى وضعت وليدها.

وكان ابنها أول مولود للمهاجرين في المدينة، فحملته ووضعته في حجر الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ شيئًا من ريقه وجعله في فم الصبي ثم حنكه (مضغ شيئًا ووضعه في فمه) وعا له.

طلاقها من الزبير بن العوام

بعد حياة مشتركة مليئة بالجهاد والتضحيات انفصلت السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها عن زوجها الزبير بن العوام بعد سنوات طويلة من الزواج، كان الزبير رجلاً شديد الغيرة وعُرف عنه الشدة والحزم في بعض الأحيان، وذلك جعل الحياة بينهما مليئة بالتحديات.

وعلى الرغم من أن السيدة أسماء رضي الله عنها كانت صبورة وتتحمل مسؤوليات كبيرة في حياتها مع الزبير إلا أن شدة الغيرة وصرامة الزبير تسببت في خلافات متكررة أدت في النهاية إلى الطلاق.

لم تتحدث السيدة أسماء رضي الله عنها عن الزبير بسوء بعد الطلاق بل حافظت على احترامها له وعلمت أبناءها أن يكونوا أوفياء لوالدهم، فقد كانت تنظر إليه كأب لأبنائها وكأحد أبرز الصحابة الذين ساهموا في خدمة الإسلام، كما دعمت أبناءها خاصة عبد الله بن الزبير؛ ليكون قائداً قوياً وشجاعاً تمامًا كما كان والده.

استمرت السيدة أسماء رضي الله عنها في تربية أبنائها بنفس القوة والصلابة التي عرفت بها وحرصت على غرس القيم الإسلامية فيهم، فقدمت نموذجًا للأم الصابرة والمربية الحكيمة وابنها عبد الله بن الزبير أصبح من أبرز الشخصيات في الإسلام وورث الكثير من صفات والدته في القوة والشجاعة وكانت أسماء دائمًا فخورة به وتدعمه في مسيرته.

أسماء بنت أبي بكر..مواقف من حياة ذات النطاقين
أسماء بنت أبي بكر

صفات ذات النطاقين

اجتمع للسيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها من خصائل الخير وشمائل النبل ورجاحة العقل مالم يجتمع إلا للقليل النادر من الرجال وكان لديها من الجود بحيث يُضرب بجودها المثل.

شجاعتها وقوتها وصبرها ورجاحة عقلها

كانت السيدة أسماء رضي الله عنها رمزًا للشجاعة بدعمها للنبي ﷺ ووالدها أبا بكر الصديق خلال الهجرة النبوية وخوضها مخاطر كبيرة وأظهرت رضي الله عنها قوتها ورجاحة عقلها حتى في أواخر حياتها عندما دعمت ابنها عبد الله بن الزبير في مواجهة بني أمية مشجعة إياه على الثبات رغم صعوبة الموقف، كما يروي ابن كثير في البداية والنهاية.

وذلك أن ابنها عبد الله بن الزبير بُويع له بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية ودانت له الحجاز ، ومصر، والعراق، وخرسان، وأكثر بلاد الشام.

لكن بني “أمية” خرجت لمحاربته بجيش كبير جرار بقيادة “الحجاج بن يوسف الثقفي”، فدارت بين الفريقين معارك طاحنة أظهر فيها ابن الزبير من ضروب البطولة ما يليق بفارس بطل شجاع مثله.

لكن تفرق عنه أنصاره شيئًا فشيئًا، فلجأ إلى بيت الله الحرام واحتمى هو ومن معه في حمى الكعبة المشرفة، وقبل وفاته بساعات ذهب إلى السيدة أسماء رضي الله عنها ليستشيرها، وكانت عجوزًا قد فقدت بصرها.

قال الزبير لأمه: جئت لأستشيرك. قالت: تستشيرُني!.. في ماذا؟!.

قال: لقد خذلني الناس وانحازوا عني رهبة من الحجاج أو رغبة بما عنده حتى أولادي وأهلي انفضوا عني، ولم يبقَ معي إلا نفر قليل من رجالي وهم مهما عظُم جلدهم فلن يصبروا إلا ساعة أو ساعتين…

ورسل بني “أمية” يُفاوضونني على أن يعطوني ما شئت من الدنيا إذا ألقيت السلاح وبايعت عبد الملك بن مروان، فما ترين؟.

فكان رد السيدة أسماء رضي الله عنها دلالة على رجاحة عقلها وشجاعتها رغم كبر سنها، فعلى صوتها وقالت له: الشأن شأنك يا عبد الله وأنت أعلم بنفسك…

فإذا كنت تعتقد أنك على حق وتدعوا إلى حق، فاصبر وجالد كما صبر أصحابك الذين قُتلوا تحت رايتك…وإن كنت إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت…أهلكت نفسك وأهلكت رجالك.

قال: ولكني مقتول اليوم لا محالة.قالت خيرٌ لك من أن تُسلم نفسك للحجاج مُختارًا،فيلعب برأسك غلمان بني “أمية”. قال: لست أخشى القتل وإنما أخاف أن يُمثلوا بي.

قالت: ليس بعد القتل ما يخافه المرء، فالشاه المذبوحة لا يُؤلمها السلخ…

فأشرقت أسارير وجه الزبير وقال: بوركت من أم وبوركت مناقبك الجليلة؛ فأنا ما جئت إليك في هذه الساعة إلا لأسمع منك ما سمعت والله يعلم أنني ما وهنت ولا ضعفت …

وهو الشهيد على أنني ما قمت بما قمت به حبًا في الدنيا وزينتها وإنما غضبًا لله أن تُستباح محارمه… وهأنا ذا ماضٍ إلى ما تُحبين، فإذا أنا قُتلت فلا تحزني علي وسلمي أمرك لله…قالت: إنما أحزن عليك لو قُتلت في باطل.

رجع بن الزبير إلى الحرم لمواصلة القتال ولم تغرب شمس ذلك اليوم إلا كان عبد الله بن الزبير قد لحق بجوار ربه ولم يمضِ على وفاته غير بضعة عشر يومًا إلا كانت أمه السيدة أسماء بنت أبي بكر قد لحقت به.

يُذكر أنه بعد وفاة ابنها دخلت رضي الله عنها إلى مكة، فأرسل الحجاج إليها، فأبت أن تأتيه، فأرسل إليها رسولًا يقول لها: «لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك»، فأبت وقالت: «والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني»، فانطلق الحجاج إليها حتى دخل عليها، فقال: «كيف رأيتني صنعت بعدو الله!»، فقالت:

رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له يا ابن ذات النطاقين أنا والله ذات النطاقين؛ أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله ﷺ وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أما إن رسول الله ﷺ حدثنا أن في ثقيف كذابًا ومبيرًا، فأما الكذاب فرأيناه – تقصد المختار الثقفي -، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه، فقام الحجاج عنها ولم يراجعها.

كرمها وجودها

السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها كانت كريمة وعطوفة على الناس وقد وُصف عنها أنها لم تدخر شيئًا لنفسها بل كانت تنفق بسخاء على الفقراء والمحتاجين، كما ورد في سير أعلام النبلاء وقد عُرف عنها أنها كانت تعطي بلا تردد وتكرم الضيوف والمحتاجين دون أن تهتم لأمر الدنيا.

وقال عنها ابنها عبد الله بن الزبير: ما رأيت امرأتين قط أجود من خالتي عائشة وأمي أسماء، لكن جودهما مختلف…

أما خالتي فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها ما يكفي قسمته بين ذوي الحاجات وأما أمي فكانت لا تمسك شيئًا إلى الغد.

عاقلة تُحس التصرف

عُرف عن السيدة أسماء رضي الله عنها أنها عاقلة تُحسن التصرف في المواقف الحرجة، ومن ذلك أنه عندما خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه مهاجرًا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم أخذ معه كل ما يملك من مال وكان مقداره ستة آلاف درهم ولم يترك لأولاده شيئًا…

وعندما علم والده أبو قحافة برحيله وكان لا يزال مشركًا جاء إلى بيته وقال لأسماء: والله إني لأراه قد فجعكم بماله بعد أن فجعكم بنفسه. فقالت له: كلا يا أبتِ إنه قد ترك لنا مالًا كثيرًا.

ثم أخذت رضي الله عنها حصى ووضعته في الكوة (تجويف في الحائط) التي كانوا يضعون فيها المال، وألقت عليه ثوبًا، ثم أخذت بيد جدها وكان مكفوفًا وقالت: يا أبتِ انظر كم ترك لنا من المال.

فوضع يده عليه وقال: لا بأس…إذا كان ترك لكم هذا كله فقد أحسن.

وقد أرادت رضي الله عنها من ذلك أن تُكسن نفس جدها وألا تجعله يعطيها شيئًا من ماله؛ لأنها كانت تكره أن تجعل لمشرك عليها معروفَا حتى لو كان جدها.

التزامها الديني وتقواها

كانت أسماء رضي الله عنها معروفة بمداومتها على العبادة وذكر الله في كل حال، فكانت تُكثر من الصلاة وقراءة القرآن وتحرص على أداء العبادات بجميع أشكالها؛ لتكون دائمًا قريبة من الله حيث كانت تتعامل مع الدنيا كوسيلة للآخرة وتتجنب الانغماس في زينتها وحرصت أيضًا على تعليم أبنائها على العبادة منذ الصغر وأثرت فيهم حب الصلاة والإيمان.

كانت رضي الله عنها من الصحابيات اللاتي روين الأحاديث عن النبي ﷺ، فكانت تنقل سنة النبي بكل أمانة وحرص وقد وردت عنها عدة أحاديث شريفة في كتب الحديث المعتمدة مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم، وذلك عكس مكانتها كراوية موثوقة للأحاديث وقد كان حرصها على نقل العلم وتعليم النساء في مجتمعها جزءًا من التزامها الديني حيث كانت تُفكر دومًا في منفعة المسلمين واستمرار نشر العلم بينهم.

كما أن التزامها الديني ظهر بوضوح في زهدها وسخائها، فكانت تنفق بسخاء على الفقراء والمحتاجين دون أن تبالي بزينة الدنيا ومتاعها وكان والدها أبو بكر الصديق قدوة لها في الزهد والكرم، فاتبعت نفس النهج وابتعدت عن المظاهر الزائفة وكان رضا الله هو هدفها الأول ويُقال إنها لم تكن تدخر شيئًا ليوم غد بل كانت تُؤثر المحتاجين وتقدم لهم ما تملك.

وفاة ذات النطاقين

توفيت السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها عام 73 هجريًا بعد حياة طويلة حافلة بالعطاء والصبر والثبات على الحق وكانت آخر من توفي من الصحابيات المهاجرات وقد عاشت ما يقرب من مئة عام ولم يضعف إيمانها أو يقينها بالله رغم التحديات الكثيرة التي واجهتها في حياتها.

وكانت وفاتها رضي الله عنها في أعقاب استشهاد ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه الذي قُتل بعد معركة طويلة مع بني أمية وتعد هذه الحادثة من أصعب اللحظات التي مرت بها أسماء إلا أنها وقفت بشجاعة وثبات موجهةً لابنها كلمات تُعزز من عزيمته وإيمانه حتى آخر لحظة من حياته.

توفيت السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها في مكة المكرمة ورُوي أنها عاشت حتى بلغت حوالي مئة عام لم يسقط لها سن ولا ضرس ولم يغب من عقلها شيء، كما لم تفقد حبها لله وطاعتها له طوال هذه الفترة.

عاشت رضى الله عنها حياتها في عبادة دائمة وتوفيت وهي تُعد واحدة من الشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي تركت إرثًا لا يُنسى للأمة الإسلامية.

في الختام، بعد أن عرضنا جزء من سيرة الصحابية الجليلة السيدة أسماء رضي الله عنها نجد أنها عاشت حياة مليئة بالتحديات بدءًا من دعمها للنبي صلى الله عليه وسلم وأبيها في أصعب اللحظات وصولًا إلى تربية أبنائها على القيم الإسلامية العالية وظلت صامدة في وجه المحن خاصة بعد فقدان ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وتركت إرثًا خالدًا من الحكمة، والتواضع، والإيمان العميق بالله ليظل اسمها محفورًا في ذاكرة الأمة الإسلامية كأحد الصحابيات الأتي كان لهن دور كبير في الإسلام والدعوة.

المصادر

1، 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Index